منه إليه أن يعينهم بالقوة الأزلية حتى يدخلوا بهممهم في بحار الأولية التي لا ساحل لها ، فيبقون في الذكر أبدا ؛ لأنهم لا يتلقون إلا ما يليق بأحوالهم من الكشوفات والقربات ، وهؤلاء المذكورون من أول المقام إلى مقام الذكر عشرة أقوام ، بعضهم أهل البداية في الإسلام ، وبعضهم أهل الإيقان في الإيمان ، وبعضهم أهل العبودية الجامعة لجميع المعاملات ، وبعضهم أهل الصدق في المحبة وترك ما دون الله والوفاء في الحقيقة ، وبعضهم أهل مقام الرضا والتوكل ، وبعضهم أهل التواضع في المشاهدة ، وبعضهم أهل السخاء والكرم ، وبعضهم المتصفون بالصمدانية ، وبعضهم أهل الغيبة في الغيب الذين لا يكشفون أسرارهم عند الخلق والمنتهى منهم المستغرق في ذكر الذات والصفات كما وصفنا ، والجميع مأجورون من الحق بقدر منازلهم في مقاماتهم بأن يغفر قصورهم في بذل المهج له ، ويكاشفهم أستار الغيرة عن جمال المشاهدة بقوله : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.)
قال سهل : الإيمان أفضل من الإسلام ، والتقوى في الإيمان أفضل من الإيمان ، واليقين في التقوى أفضل من التقوى ، والصدق في اليقين ، أفضل من اليقين ، وإنما تمسكتم بأدنى الإسلام فإياكم أن يتقلب من أيديكم.
وقال : الإسلام حكم ، والإيمان أصل ، والإحسان ثواب.
وقال ابن عطاء : لم يبلغ أحد إلى مقام الصدق بالصوم والصلاة ولا بشيء من الاجتهاد ، ولكن وصل إلى مقام الصدق بأن طرح نفسه بين يديه فقال : أنت أنت ولا بد لنا منك.
وقال أيضا : ليس من ادّعى الذكر فهو ذاكر ، والذاكر على الحقيقة من يعلم أن يشاهده فيراه بقلبه قريبا منه فيستحي منه ، ثم يؤثره على نفسه ، وعلى كل شيء من جميع أحواله.
سئل سهل : ما الذكر؟ قال : الطاعة قيل : ما الطاعة؟ قال : الإخلاص.
قيل : ما الإخلاص؟ قال : المشاهدة.
قيل : ما المشاهدة؟ قال : العبودية. قيل : ما العبودية؟ قال : الرضا.
قيل : ما الرضا؟ قال : الافتقار. قيل : ما الافتقار؟ قال : التضرع والالتجاء سلم سلم إلى الممات.
قال بعضهم : الخشوع استحقار الكبر ، وجميع الصفات تحت هيبة الحق.
قال بعضهم : الصابر هو الحابس نفسه عند أوامر الله ، والخاشع هو المتذلل والخاضع له ، والمتصدق هو الباذل نفسه وروحه وملكه في رضا مالكه ، والصائم الممسك عن كل ما لا يرضاه الله ، والحافظ فرجه المراعي لحقوق الله عليه في نفسه وقلبه ، والذاكر لله الناسي بذكره