كل ما سواه ، أوجب على نفسه لمن هذه صفته ستر الذنوب عليه ومغفرتها له وأجرا عظيما ثوابا لا حدّ له وهو رضا الله ورؤيته.
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٣٧))
قوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) : أنعم الله عليه بمعرفته ، وأنعمت عليه بصحبتك ونظرك إليه بالمحبة.
قال ابن عطاء : أنعم الله عليه بمحبتك ، وأنعمت عليه بالتبني.
قال بعضهم : أنعم الله عليه بالمعرفة ، وأنعمت عليه بالعتق.
وقوله تعالى : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ) : إن الله سبحانه ابتلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بالعشق الإنساني ، وذلك أنه انفرد بالحق مما دون الحق ، وخاض في بحر الوحدانية على شريطة الفناء ، فكاد يفنى عن الفناء ، ويغيب في غيب من غلبات سطوات العظمة عليه ، فأراه جمال جلاله صرفا ، فلم يحتمل أيضا حقيقة ذوق المشاهدة والجمال عيانا ، فسهله الله عليه بأن تجلى له بنور المحبة ونور الجمال من مرآة وجه الإنساني ، فطاب سره بذلك ، واحتمل روحه لطائف تلك المحبة ، واستأنس بشقيقة شقائق ورد مشاهدة القدس في محل الأنس ، لكن خاف على الخلق أن يظهر لهم أحواله لا يعرفون سر العشق ، فيهلكون فرفع الله عنه وحشة ذلك ، وأمره بأن يظهر ذلك ، ولا يلتفت إلى غير الله في العشق ، فإن العشق باق في العشق ، ويسقط عنه ملامة اللائمين وخوف النبي صلىاللهعليهوسلم من الخلق رحمة وشفقة على أمته بقوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) ، كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ أخفى ذلك السر في نفسه من حيث التمكين ، والله مبديه بأنه يقهر على المتمكنين بصولة العشق القديم ، وكيف يوازي الحدث القدم ، وقد ذكرت معنى قوله تعالى :
(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) أي : لا تراع الخلق في مقام المحبة ، وراع الحق ؛ فإنه أحق أن تراعيه ، لأن الحدث يفنى ويبقى القدم.
قال ابن عطاء : تخفى في نفسك ما أظهر الله لك من أن يزوجها منك ، وتخشى أن تظهر للناس ذلك فيفتتنوا.
قال أيضا : تخشى الناس أن يهلكوا في شأن زيد ، فذلك من تمام شفقته على الأمة ،