قال بعضهم : (ذَا الْأَيْدِ) ذا الصبر في أمر دينه (١).
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩))
قوله تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) : هذا التسخير وقوع نور الفعل معها ، ومباشرة أنوار الصفات فيها بواسطة الفعل ، فيظهر روح الفعل فيها ، فتقبل فيض الصفة من الصفة ، فصارت خاضعة متخشعة في نور عظمته تعالى ، فلما وصل إليها ألحان داود من حيث روحه العاشقة ترنمت بألحان العشق من أغصان ورد الجمال والجلال ، فتحركت من لذة سماع صوت داود وتسبيحه وتنزيهه ، فوافقت داود في الذكر والتسبيح ، وكذلك الطيور إذا سمعت أصوات الوصلة منه صفرت بصفير التنزيه وتقديس من وجدان حلاوة وجد داود وإدراك روح الملكوت ؛ لأنهن مقدسات خلقن مستعدات لقبول أنوار فعل الخاص وأشكال الروحانيات ، وفيهن خويصات لهن عشق ومعرفة كالهدهد والبلبل والعندليب والقمري والحمامة ومالك الحزين ، وكان صلىاللهعليهوسلم يعرف أصواتهن وتسبيحهن من حيث المحبة والعشق ، ألا ترى كيف أنشد :
ربّ ورقاء هتوف بالضّحى |
|
ذات شجو صرخت في فتن |
فبكائي ربّما أرّقها |
|
وبكاءها ربّما أرّقني |
هي أن تشكو فما تشكو فما أفهم |
|
وإذا أشكو فما تفهمني |
غير أنّي بالجوى أعرفها |
|
وهي أيضا بالجوى تعرفني |
وخاصية العشي والإشراق أن فيهما زيادة ظهور أنوار قدرته القديمة وآثار بركة عظمته العظيمة ، وأن وقت الضحى وقت صحو أهل السكر من خمار شهود المقامات المحمودة ، وأن العشي وقت إقبال المقبلين إلى مشاهد المناجاة وإدراك أنوار المشاهدات واستماع طيب الخطابات.
قال محمد بن علي الترمذي : لما أخلص هو في تسبيحه لربه جعل الله الجماد يوافقه في تسبيحه ويعينه على عبادته.
قال ابن عباس : كان يفهم تسبيح الحجر والشجر بالعشي والإشراق.
وقال الأستاذ : كان يفهم تسبيح الجبال على وجه تخصيصه به ؛ كرامة له ومعجزة ،
__________________
(١) أي القوى العظيمة في تخليص نفسه من علائق الأجسام ، فكانت قوته في ذلك سببا لعروجه إلى المراتب العظام. نظم الدرر (٧ / ١٧٨).