تسلية لقلب نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ حيث أوقع الله في قلبه محبة زينب ، فضاق صدره ، فقال سبحانه : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) [الإسراء : ٧٧] ، ففرح بذلك ، وزاد له محبة الله والشوق إلى لقائه ، فافهم أيها الممتحن بالمحبة ؛ إن الله سبحانه خلق قلوب عشاق الأنبياء والأولياء من آثار تجلي جماله وجلاله ومحبته وشوقه وعشقه وبهائه ولطفه ، وأوقعها في بحار نور نوره ، وغسلها بمياه التنزيه والتقديس ، ثم كاشف بها عين الألوهية حتى غرقت فيها وانهزمت من سطوات أنوار كبرياء قدمه إلى أكناف أنوار فعله ، فعلم الحق ضعفها عن حمل وارد شهود جلال كبريائه ، فتلطف عليها ، وأراها في أنوار أفعاله وآياته جمال ذاته وصفاته حتى سكنت بها وبقيت بعد فنائها فيه ، فمنها واقعة آدم بحواء والحنطة ، وإبراهيم بالشمس والقمر والكواكب وحسن سارة ، وموسى بالجبل والشجرة ، ويوسف بزليخا ، ويعقوب بيوسف ، وداود بامرأة أوريا ، وسليمان ببلقيس ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم بزينب ، والمراد من ذلك أن جذبهم بنور حسن فعله إلى مشاهدة جمال قدمه ، فربّاهم بمقام التباس في العشق في أول المعرفة حتى وصلوا إليه بوسائط حسن فعله بعد أن تجلى بنفسه منه لهم ، فيا محب انظر إلى مقام الاتحاد ؛ فإن الكل هو لا غير في البين ، ألا ترى كيف خاطب موسى من الشجرة وتجلى له منها مرة ، ثم تجلى له من الجبل مرة ، ثم تجلى له من العصا مرة بنعت العظمة حيث صارت حية؟! وتلك بروز أنوار قهر عظمته ، رأى داود ذلك بصورة الطير في الخلوة ، ومن في البين إبليس كان تلبيسا من حيث الالتباس ، ثم رأى ذلك في صورة امرأة حسناء ، وأين الصور والعلل ، بل هناك حيل ومكر وقع نظره على جمال الأزل ، فظن أن ذلك حاصل له ، فلما وصل إليها غاب ذلك عنه ، فعلم أنه ممتحن ، فرجع من الفعل إلى الفاعل بنعت الخجل والحياء ، ومن مقام التفرقة إلى مقام الجمع ، ومن مقام الالتباس إلى مقام التوحيد ، قال سبحانه في وصف حاله في قصة دخول ملكين إليه بقوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ) : استغفر من مقام الالتباس ، كما استغفر موسى حيث قال : (تُبْتُ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ، وكما استغفر آدم بقوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا) [الأعراف : ٢٣٠] ، وكقول إبراهيم : (إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام : ٧٨] ، وكما منّ على صفي المملكة وعندليب ورد بساتين المشاهدة محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، ثم تضرع بنعت الفناء في البكاء في مقام الإنابة ، وفرّ منه إليه بعد أن احتجب منه به (١).
__________________
(١) هذا يدلّ على أنه كلّما كانت معرفة الله أتمّ ، كان الخوف منه أعظم ، وهذا الخوف لا يكون إلا خوف الإجلال والكبرياء.