اعوجّوا من حد الاستقامة إلى حد التلوين ، وما احتجبوا بشيء عنه تعالى ؛ فإنهم أولو القوة الألوهية والبصائر الربانية.
قال ابن عطاء : (أَخْلَصْناهُمْ) لنا ، وخصصناهم بنا ومعنا.
وقال : (بِخالِصَةٍ) تلك الخالصة خلو سره عن ذكر الدارين وما فيهما حتى كان لنا خالصا مخلصا.
قال سهل : أخلصهم له دون ذكرهم له ، وليس من ذكر الله بالله كمن ذكر الله بذكر الله.
قال أبو يعقوب السوسي : لما قال (أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ) صفت قلوبهم لذكره عند ذلك ، ورقت أرواحهم له بإرادته ، فهم في مكشوف ما تقدم لهم في الغيب سبقت لهم منه الحسنى ، فصاروا بدرجة المخلصين ، ثم زاد في وصفهم بقوله : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٤٧) ذكر العندية ، وقرن بها الاصطفائية ، وبيّن أن اصطفائيتهم في العبودية أزلية قبل وجود الكون ، فإذا كانت الاصطفائية أزلية يسقط عنها أسباب الحدثان ، فصار شرفهم خاصّا وموهبة خالصة بلا علل ؛ لذلك قال : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ).
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦))
قوله تعالى : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ) : بيّن الله سبحانه ههنا تفضيل آدم على الملائكة المقربين ؛ فالخطاب لأكابرهم ؛ إذ كان روحه خلقت قبل أرواحهم ؛ إذ روحه تكونت من ظهور تجلي الحق بجميع الذات والصفات كاملة بخلعة كسوة الربوبية التي ألبسها الحق حتى صارت مرآة يتجلى منها للعالمين ، وبقيت في أول الأول في مشادة أنوار