إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨))
قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) : وصف الله أهل الضعف من اليقين إذا مسه ألم امتحانه دعاه بغير معروفه ، وإذا وصل إليه نعمته احتجب بالنعمة من المنعم ، فبقي جاهلا من كلا الطرفين ، لا يكون صابرا في البلاء ولا شاكرا في النعماء ، وذلك من جهله بربه ، ولو أدركه بنعت المعرفة وحلاوة المحبة لبذل نفسه له حتى يفعل به ما يشاء.
قال الواسطي : الخلق مجبور تحت قسمته ، مقهور في تحت خلقته وتقديره ، ألا ترى إذا ضاقت القلوب واشتدت الأمور كيف تفرغ بالإخلاص إلى الملك الغفور!
وقال الحسين : من نسى الحق عند العوافي لم يجب الله دعاءه عند المحن والاضطرار ، لذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم لعبد الله بن عباس : «تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» (١).
قال النهرجوري : لا يكون نعمة من تحمل صاحبها على نسيان المنعم نعمة ، بل هو إلى النقم أقرب.
(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩))
قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) : وصف الله سبحانه أحوال أهل الوجود والكشوف والمستأنسين به الذين قنتوا في أجواف الليالي قائمين على أبواب الربوبية بنعت الفناء والخضوع حين عاينوا مشاهدة جلاله وجماله من وراء ستور الغيب وحجب الملكوت ، فساعة دهشوا ، وساعة ولهوا ، وساعة بكوا عليه وبه ، وساعة ضحكوا بما أولاهم الحق من نيل أنوار مشاهدته وفيض حلاوة وصلته ولذائذ خطابه ومناجاته وكشفه أسراره عندهم ، فصرعوا ، وبكوا ، وزفروا ، وصاحوا ، إذا قاموا ، قاموا بشرط رؤية جمال بقاء الحق ، وإذا سجدوا سجدوا على شرط رؤية جلال قدمه ، وعلموا من لطائف خطابه مكنون أسرار غيبه من العلوم الغريبة والأنباء العجيبة ؛ لذلك وصفهم بالعلم الإلهي الذي استفادوا من قربه ووصاله وكشف جماله ، بقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، كيف يستوي الشاهد والغائب ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟!
قال ابن عطاء : الغائب الذي يجتهد في العبادة ، ولا يرى ذلك من نفسه ، ويرى فضل الله عليه في ذلك ، فإذا رجع إلى نفسه في شيء من أفعاله فليس بغائب.
__________________
(١) رواه أحمد (١ / ٣٠٧) ، والطبراني في الكبير (١١ / ١٢٣).