قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) : بيّن الله سبحانه تفضيل شرائف الصديقين من أهل مشاهدته المنورين بأنوار قدسه ، أوجد أرواحهم في فضاء ديموميته وميادين أزليته ، فأبدى لها نور جماله وجلاله ، فهم منورون بنوره ؛ حيث ألبسهم قموص سنا عظمته وبهاء كبريائه ، فهذا معنى شرح صدورهم ، وبعد نشر نور تجليه في أرواحهم وعقولهم حتى وقع فيها نور العبودية وما بدا من نور اليقين والعرفان والإيمان والإسلام ، فأول شرح صدورهم بدو أنوار صفاته فيها ، وآخر انفساخها ظهور سناء ذاته فيها ، فهم على نور منه ، وبذلك النور يلبسون ؛ فيرون الحق بنور الحق ، ويرون ما دون الحق من العرش إلى الثرى بنوره ، ثم وبخ أضدادهم بقساوة القلوب وتباعد النيات ، واحتجابهم عن نور ذكره ، بعد أن قهرهم بخذلانه ، وحرمهم من نور إسلامه وإيمانه ، وهددهم بعقوبته بقوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) : قساوة قلوبهم من اتباعهم نفوسهم وإعراضهم عن قبول طاعة مولاهم ، ثم بين أنهم في ضلال عن الوصال بقوله : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.)
قال بعضهم : شرح صدره لمعرفته فهو على نور من ربه فيشهد بذلك النور الغيوب ويكون حاضرا بروحه وسره مراقبا ببركات ذلك الشرح.
قال بعضهم : المعرفة تتولد من الشرح والتنوير ، قال الله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ.)
وقال جعفر الصادق : شرح صدور أوليائه ؛ لأنها موضع خزانته ، ومعدن إشارته ، وبيت أمانته ، ومفتاح البيت عنده ، وحارسه الله ، وهو في كنفه ، لا يطالعه أحد سواه ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم» (١).
وقال الشبلي : أنارت بالشرح قلوبهم ، وأنطقت بالحكمة ألسنتهم ، وأكملوا بكمال الآداب ورياضة النفوس ، فوصلوا بالولاية ، وسقوا بكأس الصدق.
وقال النوري : استسلم سره بنور القربة ، وذلك الشرح.
وقال بعضهم : فهو على نور من ربه ، على يقين من مشاهدة ربه بالغيبوبة عن الملك والملكوت ، فلم يبق عليه مقام إلا سلكه ، ولا حال إلا استوفاه.
وقال الواسطي : منحة عظيمة ، لا يحتملها أحد إلا المؤيدون بالعناية والرعاية ، فإن العناية تصون الجوارح والأشباح ، والرعاية تصون الحقائق والأرواح.
__________________
(١) رواه مسلم (٤ / ١٩٨٧) ، وأحمد (٢ / ٢٨٤).