بالهداية إليه والعلم به العقل فيما يسمع ، بيّن الشيخ أبو بكر بن طاهر ـ قدس الله روحه ـ أن المراد به سماع القول ، وأن العارف العاشق بجمال الحق يلقى سمع الخاص في مقام المراقبة على بساط القرب ، والحق سبحانه يتكلم بكل لسان من العرش إلى الثرى ، فلحظة نطق على ألسنة الطيور في ألحانها ، وساعة نطق في أصوات الخلائق المختلفة ، وعلى ألسنة السماوات والأرضين والجبال وحركات الرياح والأشجار والمياه ، وعلى ألسنة الملائكة والأرواح والنفوس ، فبعض إلهام ، وبعض إلمام ، وبعض وحي ، وبعض كلام ، فالأحسن منها أن يتكلم معهم بكلامه العزيز الخاص الصفاتي الذاتي الخارج من الوسائط والوسائل ، فذلك العارف العاشق يسمع الكل من روحه ونفسه وعقله وقلبه وعدوه والملك والأولياء والأنبياء وحركات الأكوان وأهلها ، فيتبع جميع الخطابات من حيث إدراك حقائقها ما يوافق حاله وعلمه وعمله رسما ، ويتبع الكلام الأزلي الذي هو أحسن الخطاب بالفهم العجيب والعلم الغريب والإدراك الصافي وانفراد الحق من المخلوق بالمحبة والشوق والعشق والمعرفة والتوحيد والإخلاص والعبودية والربوبية والحرية ، فهذا فضل ورد بالبديهة من حيث ظهور الأنباء الغيبية والروح القدسية والإلهامات الربانية.
قيل : هذا فضيلة لمحمد صلىاللهعليهوسلم على غيره أن الأحسن ما يأتي به ، وإن كان الكل حسنا ، ولما وقعت له صحبة التمكين ومقارنة الاستقرار قبل خلق الكون ، ظهرت عليه الأنوار في الأحوال ، وكان معه أحسن الخطاب ، وله السبق في جميع المقامات ، ألا تراه صلىاللهعليهوسلم يقول : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» (١) : يعني الآخرون وجودا السابقون في الخطاب الأول في الفضل في محل القدس.
وقال الأستاذ : اللام في قوله القول للعموم يقتضي حسن القول ، الاستماع يكون لكل شيء ، والاتباع يكون للأحسن.
وقيل : للعبد دواع من باطنه هواجس النفس ووسواس الشيطان وخواطر الملك والخطاب الحق يلقى في الروع ، فوسواس الشيطان يدعوه إلى المعاصي ، وهواجس النفس تدعوه إلى ثبوت الأشياء منه مما له فيه نصيب ، وخواطر الملك تدعو إلى الطاعات ، وخطاب الحق في حقائق التوحيد.
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢))
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٢٩٩) ، ومسلم (٢ / ٥٨٥).