لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧))
قوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : وصف الله سبحانه كلامه القديم حديثه الباقي الذي أحسن من كل حسن ، إذ جميع الحسن منه بدا ، وحسنه بأن يكون بحسن الأشياء ، وأنه صفته الأزلية التي خارجة بنعوتها عن رسوم الأصوات وعلل الحروف ومصنوعات الكون ، لا يشابهها كلام الخلق من فعله صدر ، وكلامه تعالى من ذاته صدر ، فكيف يكون مشابها لكلام الحدثان ، ومعنى قوله : (مُتَشابِهاً) أنه خبّر عن كلية الذات والصفات التي منبعها أصل القدم ، وصفاته كذاته وذاته كصفاته ، وكل صفة كصفة أخرى من حيث التنزية والقدس والتقديس ، والكلام بنفسه متشابه المعاني ، وكل معنى يتكرر في موضع غير موضعه بلغة أخرى ، ووضعها مذكورة بحروفها ، والمتشابه في القرآن خاصّ ، مذكور مبين لأهل الخصوص من أهل شهود وصفات الخاصة الأزلية الذين يشهدون الأرواح والأشباح في المراقد العبودية ، يسمعون من الحق بأسماع القلوب ، فإذا سمعوا خطاب الحق من الحق يستولى على أسرارهم أنوار التجلي ، ثم تستولي من الأسرار على الأرواح ، ثم تستولي من الأرواح على العقول ، ثم من العقول على القلوب ، ثم من القلوب على الصدور ، ثم من الصدور على الجلود ، فتقشعر منها جلودهم من حيث وقوف أسرارهم على مشاهدة العظمة بنعت الخشية والإجلال والعلم به ، وإذا وصل نور الأنس بنور العظمة ونور الجمال بنور الجلال سهل على وجودهم سطوات الكبرياء ، فتلين جلودهم وقلوبهم بنور البسط والأنس ، فزاد شوقهم إلى سماع الكلام من العلّام ؛ لهيمانهم إلى رؤية جماله ، ذلك قوله : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، وخطابه سبحانه سراج يستضيء بنوره كل راشد في المعرفة ، مرشد في التوحيد ، راسخ في المحبة ، قال سبحانه : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي : من الأولياء والأصفياء والمقربين والمؤمنين الصادقين.
قيل في قوله : (تَقْشَعِرُّ) و (تَلِينُ) أي : تقشعرّ بالخوف ، وتلين بالرجاء.
وقيل : بالقبض والبسط.
وقيل : بالهيبة والأنس.
وقيل : بالتجلي والاستتار.