موقع نظر جماله وجلاله وكشف وصاله وتجرد من غيره في خلته ومحبته وخدمته وأفرده بتوحيده عن غيره جعل الله توحيده كلمته العليا الشجرة الثابتة ، أصلها في أرض قلبه ، وفرعها إلى سماء الأبد ، وثمرها الرسل والأنبياء والأولياء ، وأشهى ثمرها محمد صلىاللهعليهوسلم ، وبقي ذلك التوحيد في قلوب أمته إلى يوم ورودهم على موارد المشاهدة الكبرى.
قال سهل : هي التوحيد في ذريته إلى يوم القيامة.
(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢) وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥))
قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) : جهلوا العظمة ، وظنوا أن العظيم من هو له غنى وقوة نفسانية ، ولو يعلموا أن العظيم هو من عظّمه الله بعظمته ، وكساه أنوار سلطانه وبرهانه ، وهو المصطفى صلىاللهعليهوسلم أنه عظّم قدره في الدارين بقدر الله ، وخصّه بما قسم له في الأزل بالرسالة والنبوة والشرف والكرامة ، ووبّخهم الله بما تمنوا في القسمة بقوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) : جعل معيشة البعض إرادة ، وجعل معيشة البعض علما وخدمة ، وجعل معيشة البعض إيمانا وصدقا ، وجعل معيشة البعض توبة وإنابة ، وجعل معيشة البعض محبّة وشوقا وعشقا ، وجعل معيشة البعض معرفة وتوحيدا ، وجعل معيشة السالكين الفراسات ، وجعل معيشة الزاهدين الكرامات ، وجعل معيشة العارفين تراكم الواردات ، وجعل معيشة الفقراء القناعة والتوكل والرضا والتسليم ، هذا للمقبلين إليه ، وللمدبرين عنه الغيّ والضلالة والجهل والغباوة والدنيا الكثيرة الشاغلة عن الله ، وهم أيضا في ذلك متفاوتون ؛ فبعضهم أعلى من بعض بالمعرفة ، وبعضهم أعلى من بعض بالمشاهدة ، وبعضهم أعلى من بعض في المكاشفة ، وبعضهم أعلى من بعض في المحبة ، وكذلك في جميع المقامات ، كما فضّل بعض أصحاب الدنيا في الرزق والمعيشة.
قال الواسطي في قوله : (نَحْنُ قَسَمْنا) : رزق قوما حلالا ومدحهم عليه ، وقوما شبهة وذمّهم عليه ، وقوما حراما وعاقبهم عليه ، موسرا بالحرام المحض ولم يلمه عليه ، قال