النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتّى تستكمل رزقها ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» (١) ، وقال الله لهم : (يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ.)
وقال سهل : فضّلنا بعضهم على بعض في المعرفة والطاعة عيشا لهم في الدنيا والآخرة.
قال الجنيد : بالتمييز وحفظ السرّ.
وقال بعضهم : بالثقة والتوكل.
وقال بعضهم : بمعرفة كيد النفس ووسواس الشيطان ، ثم بيّن الله سبحانه بآخر الآية أن ما عنده من الاصطفائية الأزلية وكشف مشاهد العزيزة الكريمة التي هي مقدسة من شوائب الاكتساب (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من جميع الفضائل ، وأن عيش الآخرة للمؤمنين خير من العيش في الدنيا بقوله : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.) (٣٢).
قال سهل : ذكر الله خالصا خير من كثرة الأعمال لطلب جزاء.
وقال ابن عطاء : ما يعطيهم على سبيل الفضل خير لهم مما يجازيهم.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠))
قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أي : من نسي الله وترك مراقبته ولم يستحي منه وأقبل إلى شيء من حظوظ نفسه قيّض الله له شيطانا يوسوس له في جميع أنفاسه ، ويغوي نفسه إلى طلب هواها حتى يسلطه على عقله وعلمه وبيانه ، وهذا كما قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام : «الشهوة والغضب يغلبان العقل والعلم والبيان ، وهذا جزاء من أعرض عن متابعة القرآن ومتابعة السنّة».
وقال سهل : حكم الله تعالى أنه لا يرى قلب عبد يسكن إلى شيء سواه إلا أعرض عنه ، وسلّط عليه الشيطان ؛ ليضلّه عن طريق الحق ، ويغويه.
وقال ابن عطاء : من لم يداوم على الذكر فإن الشيطان قرينه ، ومن داوم عليه لم يقربه الشيطان بحال.
وقال الواسطي : من صرفنا قلبه عن مواعظ القرآن وحجبناه عنه نقيّض له شيطانا ،
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ٢٧) ، وهناد في الزهد (١ / ٢٨١).