بواطنهم ، قال الله تعالى : (بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ.)
قال أبو بكر بن طاهر : من لم يزجره عن المخالفات رؤية الحق وسماعه فإنه لا يزجره شيء غير ذلك.
وقال أيضا : دلّ قوما من عباده إلى الحياء منه ، ودلّ قوما إلى الحياء من الكرام الكاتبين ، فمن استغنى بعلم نظر الله إليه والحياء منه أغناه ذلك عن الاشتغال بكرام الكاتبين.
(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩))
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : أمر الله سبحانه حبيبه الأول صلاة الله عليه أن ألق رغام الهوان على أنوف أهل الخيال من الكفرة والمشبهة والزنادقة والثنوية والنصارى واليهود والمشركين بإظهار تنزيه عزّة أوّليته ، وتقديس جلال قدسه من علل الحدوثية ، وأوصاف المخلوقية حتى يموتوا في غمار الغفلة من ضربات قدس الألوهية وقهر الجبارية أي : إن كنتم تزعمون لله المنزه القديم شيئا لا يليق بجلاله فأنا أول من يقدسه من طرآن علل الحدثان عليه ، وأنا أول من أفنى من حياتي فيما أسمع منكم له فيه ، وهذا كما قال الله تعالى في وصف السماوات والأرض والجبال كيف تخشّعت من أقوال الكفرة فيه بقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) ، ويل لمن يتقاعد بعقله من الجمادات في معرفة الله ، وإشارة أوليته عليهالسلام في عبودية الله إشارة إلى بدو وجوده في إتيانه من القدم بنور القدم وانقياده في أول تجلي جلاله ، وهذا كما قال الصادق : «أوّل ما خلق الله نور محمد صلىاللهعليهوسلم قبل كلّ شيء ، وأوّل من أوجد الله عزوجل من خلقه ذرية محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأوّل ما جرى به القلم لا إله إلا الله محمد رسول الله» (١) ، قال : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : أحقّ بتوحيد الله ، وذكر الله تأكيد تقديسه بقوله : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفا (١ / ٣١١) بأوله فقط.