وتعالى ـ ولا حدّ لذلك ولا صفة ولا نهاية.
(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩))
قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : قارن ثواب الجنة بالأعمال ، وأخرج المعرفة واللقاء والمحبة والمشاهدة من العلل ؛ لأنها اصطفائية خاصة أزلية ، يورثها من يشاء من العارفين الصديقين.
وقال ابن عطاء : الجنة ميراث الأعمال ؛ لأنها مخلوقة ، فوازى المثل والكتاب ميراث الاصطفائية ؛ فإنهما صفتان من صفات الحق.
(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠))
قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) : وصف الله سبحانه نفسه وإحاطته ببطون المغيبات وحقائق المضمرات بالعلم القديم ، وسماعه حركات صميم أسرار الخلق بسمعه القديم المنزه عن الإصغاء ، وكيف يخفى عليه ما أبدع وأوجد في بطون القلوب والغيوب! بل له كرام كحّل عيونهم بنور نوره ، حتى يروا حقائق الأمور الغيبية كما قال صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا فراسة المؤمن ؛ فإنّه ينظر بنور الله» (١) ، والملائكة يسمعون من الحق بالإلهام بعد ما وقع الغيب لله الخاص له.
والعارف الصادق له درجتان في ذلك : درجة الملائكة التي هي الإلهام ، ولهم خاصية الرؤية والفراسة بنور الله ، وهو أن يكون متصفا بعلمه وصفاته ، وهذه الآية وعيد وتحذير لمن كان له قلب يخطر عليه شيء غير ذكر الله.
قال يحيى بن معاذ : من ستر من الناس ذنوبه وأبداها للذي لا يخفى عليه شيء من السماوات والأرض فقد جعل ربه أهون الناظرين إليه ، وهو من علامات النفاق.
قال الله : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) : ما يسرون من الذنوب ، (وَنَجْواهُمْ) : ما يخفون من المعاصي ، (بَلى) وكرام الكاتبين شهدوا على ظواهرهم وأنا شاهد على
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٢٩٨) ، والبخاري في التاريخ الكبير (٧ / ٣٥٤).