الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨))
قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أي : كل خلة لا تكون لله تتولد منها العداوة في الدنيا والآخرة ، والمتحابون في الله لا يقع بينهم العداوة ؛ إذ ارتفعت من بينهم أسباب الكونيين والعالمين ، وهم مقدّسون بتأييد الله ورعايته عن كل خلاف يورث الوحشة.
قال ابن عطاء : كل وصلة وأخوة منقطعة إلا ما كان لله وفي الله ؛ فإنه كل وقت في زيادة ، بأن الله يقول : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي : في انقطاع وبغضة إلا المتقون ؛ فإنهم في راحة أخوتهم يرون فضل ذلك وثوابه ، ثم خاطب الله سبحانه هؤلاء المتقين بقوله : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) : ليس عليكم خوف الفراق ولا حزن الأصحاب.
قال ابن عطاء : لا خوف عليكم اليوم في الدنيا وخوف مفارقة الإيمان ، (وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) في الآخرة بوحشة البعد والمفارقة.
(الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١))
قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) (٦٩) : مشاهدون آياتنا التي هي مشكاة أنوار صفاتنا ، وكانوا مسلمين منقادين بجبروتنا بنعت المحبة ، (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) : ادخلوا جنان مشاهدتي ، (أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) : مسرورين بوصالنا.
قال سهل : بلذة النظر ؛ لما منّ عليهم من التوحيد عند تجلي المكاشفة لأوليائه ، فهو البقاء مع الباقي ، ألا ترى كيف خصّهم بالإيمان على شرط التسليم؟! ثم زاد في وصف أحوالهم في جنة مشاهدته بقوله : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) : ما تشتهي الأنفس الروحانية القدسية الروحية العاشقية بجمال القدم التي ترى جمال الحق بعين الصورة ، فإذا ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين هو وصال الحق والنظر إلى جماله أبد الآبدين.
قال سهل : فيها ما تشتهي الأنفس من ثواب الأعمال ، وتلذّ الأعين مما يفضل الله به من التمكين في وقت اللقاء.
قال جعفر : شتّان بين ما تشتهي الأنفس وبين ما تلذّ الأعين ؛ لأن جميع ما في الجنة من النعيم والشهوات واللذات في جنب ما تلذّ الأعين كأصبع تغمس في البحر ؛ لأن شهوات الجنة لها حدود نهاية ؛ لأنها مخلوقة ؛ ولا تلذّ الأعين في الدار الباقية إلا بالنظر إلى الباقي ـ جلّ