بالمخالفين والأعداء.
قال ابن عطاء : هاديا إلى معرفته ، ونصيرا عند رؤيته لئلا يتلاشى العبد عند المشاهدة.
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤))
(١).
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) غير الله سبحانه المتابعين هواهم ؛ لأنهم بمعزل من رؤية الألوهية ، ومشاهدة الأزلية ، استفهم على وجه التعجب من حبيبه بقوله : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أي : اطلعت شموس أنوار الصفات من مشارق الآيات ، وأن هؤلاء البطالين بقوا في ظلمات الطبائع.
قال أبو سليمان : من أتبع نفسه هواها ؛ فقد شرك في قتلها ؛ لأن حياتها بالذكر وموتها وقتلها بالغفلة ، وإذا غفل اتبع الشهوات ، وإذا ابتع الشهوات صار في حكم الأموات.
ثم خاطب نبيه عليهالسلام وأعلمه أن أهل الغباوة والجهالة لا يسمعون مقالته بآذان قلوبهم ، ولا يعقلون إشاراته بالحقيقة حيث إن أسماعهم وقلوبهم وأبصارهم وعقولهم محجوبة عن مناداة الحق من الغيوب في القلوب ، قال الله : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ.)
قال ابن عطاء : لا تظن أنك تسمع نداءك إنما يسمعهم نداء الأزل ؛ فمن لم يسمع نداء الأزل ، فإن نداءك له ودعوتك لا تغني عنه شيئا ، وإجابتهم دعوتك هو بركة جواب نداء الأزل ودعوته ، فمن غفل أو أعرض ، فإنما هو لبعده عن محل الجواب في القدم.
__________________
(١) اعلم أن الإنسان : إمّا إنسان حقيقي ، وهم الذين لهم قلوب يفقهون بها ، ولهم أعين يبصرون بها ، ولهم آذان يسمعون بها ، فمتعلق فقههم هو العلم الإلهي ، ومتعلق أبصارهم آثار الله ، ومتعلق أسماعهم كلام الله ، سواء كان بطريق الخطاب الغيبي ، أو بطريق الخطاب البشري ، أو بطريق غيرهما.
وإمّا إنساني : وهو بعكس من ذكر ، وإنما قيل له : إنسان حيواني ؛ لأنه إنسان من حيث حيوان من حيث السيرة ؛ ولذا شبه بالأنعام ؛ لأن الأنعام لا تتجاوز الحس ، والملك إلى عالم المعنى والملكوت ، فالإنسان الحيواني : ليس له روح إنساني ، وقلب ، وسمع ، وبصر بحكم غلبة الحيوانية ، فمن قال : إن الروح الإنساني مشترك فيه دون القلب ونحوه ، كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧] فهو ذهل عن الآية المذكورة ، وفرّق بين القلب والروح ؛ بل القلب ، والعقل ، والروح جوهر واحد في الحقيقة ، وإنما الاختلاف بحسب الاعتبارات ، فالقلب محل الشهود ، والعقل محل الإدراك ، والروح محل المعرفة ، فإذا كان الإنسان خاليا عن الشهود ، والإدراك الحقيقي ، والمعرفة الإلهية كان حيوانا حكما ، وإن كان إنسانا صورة بحكم المرتبة ، فالاعتبار ليس بالمرتبة ؛ بل بحقائقها ، وأحكامها الظاهرة بالفعل ، فاعرف جدّا.