وشهودهم مشاهد جلال ذاته ، وأتاهم وقاية منه ، بحيث جعلهم متصفين بصفاته ، ثم عصمهم بها عن حجب الكدورات ونكايات الخطوات.
قال ابن عطاء : الذين تحققوا في طلب الهداية أوصلناهم إلى مقام الهداية ، وزدناهم هدى بالوصول الهادي.
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣))
قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) : ليس في القرآن ذكر الذات المجرد عن ذكر الصفات والأفعال إلا ههنا ، والله أعلم ؛ فهاهنا خبر عن عين الألوهية التي تقتضي التوحيد المجرد الخالي عن التفرقة في طلب الصفة والفعل ، فدعا حبيبه إلى رؤية عيان الذات بنعت العلم ، وأراد أن يعجزه في رؤية ذاته عن إدراك الكل ، ويذوق طعم الفناء في سطوات عزة ذاته ، لا أنه دعاه إلى أن يعلم كنه عين القدم ، فإنه منزّه عن إدراك الخليقة بل عرّفه نعوت الأولية المنزهة عن الإدراك عن درك المتحيرين فيه ، بأن يدركوه بعجزهم ، فإن العاجز منقطع بعجزه عنه بكل حال ، وأيضا دعاه إلى علم إفراد القدم عن الحدوث بقوله : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، فأفاد علمه طرفين من العلم : الأول نفي الأضداد ، والثاني إثبات الذات ، والمقصود منه هذان الحالان من النفي والإثبات ، إلا أنه أعلم كنه الألوهية ، ألا ترى كيف قال : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ)؟! وهو نفى الأضداد و (إِلَّا اللهُ) إثبات الألوهية ، وكيف دعاه إلى العلم ببطون الأزل ، وهو مستحيل أن يعلمها الحقيقة بالحقيقة ، وإشارة قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (١) أي : من وجودك في مطالعتي ووجود جلالي ، فإن بقاء وجود
__________________
(١) أمر تعالى بالعلم مع أنه هو العالم ، كما أنه هو الشاهد في قوله : (يُشْهِدُ اللهَ) والرامي في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) إشارة إلى ذنب الوجود المغفور ؛ ولذا قال عقيبه : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [محمد : ١٩] ، وهي نسبة الوجود التي بها أضيف العلم إليه ، فإذا غفر وستر ؛ كان الوجود وما يتبعه لله تعالى ؛ وإنما أمره بالعلم مع أن هذه الشهادة أول ما صدر منه صلىاللهعليهوسلم ، وهو في مرتبة العقل الأول ، إشارة إلى الفرق بين مرتبتي الروح والجسد ، فمرتبة الروح لكونها مرتبة التجرّد ؛ لا تحتاج إلى التذكير والأمر بالعلم ، وأمّا مرتبة الجسد ـ