قال بعضهم : ما سلط الله عليك فهو من جنوده ، إن سلط عليك نفسك أهلك نفسك بنفسك ، وإن سلط عليك جوارحك أهلك جوارحك بجوارحك ، وإن سلط نفسك على قلبك قادتك في متابعة الهوى وطاعة الشيطان ، وإن سلط قلبك على نفسك وجوارحك زمّها بالأدب ، فألزمها العبادة ، وزيّنها بالإخلاص في العبودية ، وهذا تفسير قوله : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨))
قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (٨) أي : شاهدا على توحيدهم ومعرفتهم ومحبتهم وولايتهم ، وبنور الله على قلوبهم وأسرارهم ، ومبشرا يبشرهم بالوصال ورؤية الجمال والجلال ، ونذيرا من العتاب والحجاب ، وأيضا شاهدا للعارفين ، بدا من الحق لهم ؛ ليروا امن مشاهدته أنوار جمال الحق ، ومبشرا للمحبين ، يبشرهم بالوصال إلى قرب حبيبهم بلا علة ، ونذيرا للمقبلين إليه لئلا يميلوا إلى غيره.
قال سهل : شاهدا عليهم بالتوحيد ، ومبشرا لهم بالمعرفة والتأييد ، ونذيرا محذرا إياهم البدع والضلالات.
قال ابن عطاء : شاهدا علينا ، ومبشرا لنا ، نذيرا عنا ، وداعيا إلينا ، وأنت المأذون في الكل ؛ لأنك أمين على الكل ، ولا يطيق هذه المراتب إلا الأمناء ؛ فإنك الأمين حق أمين.
(لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩))
قوله تعالى : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) أي : جعلك شاهدا لهم ؛ ليؤمنوا بالله ورسوله أي : ليشاهدوا بأسرارهم مشاهدة الله ، ويدركوك في محل الجلال والجمال ، ويعرفوا قدرك في قدري وقدري في قدرك ؛ حيث سرت مرآتي ، أتجلى منك لهم ؛ لذلك قال عليه الصلاة والسّلام : «من رآني فقد رأى الحقّ» (١) ، ويعزروا أمري فيك ببذل وجودهم ، ويوقروك بما ألبستك وقاري وهيبتي ، ويوقروا كلامي وخطابي الذي أنزلت عليك بنعت المتابعة ، ويقدسوني من الأضداد والأنداد ، وعن أن يجد أحد سبيلا إلى كنه معرفتي وجلال قدري ، أول الخطاب توحيد بقوله : (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ) ، وهو مقام الجمع ، ثم مقام التفرقة بقوله : (وَرَسُولِهِ) ، ثم رؤية الصفات في الفعل وهو مقام الالتباس بقوله : (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) ، ثم إفراد القدم عن الحدوث بقوله : (وَتُسَبِّحُوهُ) ،
__________________
(١) تقدم تخريجه.