هذه المعرفة زيادة عن المعرفة الأولى ما غاب عن العيان بما شاهدت القلوب بالإيقان.
وقال سهل : هي نور اليقين ، يسلكون به إلى عين اليقين ، وعين اليقين هي التي تدل على الحقائق ، وهي حق اليقين.
وقال بعضهم : السكينة يقذفها الله في قلوب أوليائه يسكن به نفس أوليائه عن المعارضات.
قال الأستاذ : السكينة ما يسكن إليه القلب من البصائر والحجج ، فيرتقي القلب بوجوده عن حد الفكرة والسير إلى روح اليقين ، وتلج الفؤاد ، فتصير العلوم ضرورية ، هذا للخواصّ ، وأما عوام المؤمنين المراد منه السكون والطمأنينة واليقين.
(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧))
وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : جنوده هم سماوات أرواح العارفين وقصور أرض قلوب المحبين ، وأنفاسهم جنوده ، تنتقم بنفس منهم من جميع أعدائه فيقهرهم ، وذلك أن واحدا منهم يضيق صدره من أعداء الله ، فبان أنه يحترق بها أهل الضلالة ، ألا ترى كيف قال سكران الطور حين دعا على الكفرة : «ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم» (١) ، فصاروا حجارة محماة ، وكيف قال سيد البريات في وجوه الكفرة حين قال : «شاهت وجوههم ، فانهزموا» (٢) بإذن الله ، وكذا حال كل صديق مع الله ، يوقع نيران الهلاك بين الضلال بنفس واحد ، فيهلكوا بأقل من لمحة ، كما دعا نوح على قومه ، فقال : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) ، فهلك به أهل الأرض جميعا إلا من آمن ، وكل ذرة من العرش إلى الثرى جنوده ، حتى لو سلط نملة على حية عظيمة لتدمر عنها ، ولو سلط بعوضة على الأكوان جميعا لخربتها بقوة الله ، ألا ترى كيف قال عليهالسلام :
«لله جنود منها إليك» (٣) ، وهذا محل الانفراد بالله والتوكل على الله ؛ فإنه عون كل ضعيف وحسب كل عاجز.
قال سهل : جنوده مختلفة ؛ فجنوده في السماء الملائكة ، وجنوده في الأرض الغزاة ، وأيضا جنوده في السماوات الأنبياء ، وفي الأرض الأولياء ، وأيضا جنوده في السماوات القلوب ، وفي الأرض النفوس.
__________________
(١) رواه الطبري في التفسير (١١ / ١٥٧).
(٢) رواه الطبري في التفسير (١٠ / ١٠٠).
(٣) هو من الأحاديث التي تفرد المصنف بذكرها في كتبه.