قال جعفر : الكريم هو المتقي على الحقيقة ، والمتقي المنقطع عن الأكوان إلى الله.
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦))
قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) : الإسلام ظاهر العبودية ، والإيمان مشاهدة الربوبية ، ومحله القلب ، بقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، والإسلام الحقيقي بنعت الخضوع ، واستعمال الأمر لا ينفكّ من الإيمان ؛ فإن أصله الإيمان ، وهو متولد منه ، أمّا ما يكون بالتقليد والأعراض فهو أوصاف أهل النفاق.
قال سهل : ليس في الإيمان أسباب ، إنما الأسباب في الإسلام ، والمسلم محبوب إلى الخلق ، والمؤمن غنيّ عن الخلق.
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) : نفى الله ـ سبحانه ـ المنة عن الحدثان ؛ إذ لا يصلح أن يكون لأحد قدرة بإنشاء شيء من نفسه ، فإذا بيّن ذلك صرف المنة إلى نفسه بأن له المنة الأزلية ، حيث أوجد الخلق بلا علة ، بل فضلا ورحمة منه ، فمن أقبل إليه يرجع نفعه إليه ؛ لأن ساحة الكبرياء منزّهة عن علل الخليقة ، والعجب أن يكون الحدث محل منته القديمة ومنته لا يحتمل غيره.
قال الواسطي : لفظة المنة في محل التلبيس ؛ لأن العباد إن لم تصحبهم رؤية المنة هلكوا ؛ ولأن رؤية المنة حجاب كبير ، وفي رؤية المنة استدراج عظيم ، وكيف وهو لا يمنّ على أحد يعرفه ، وإنما المنّ على من حجبه ذكر المنن جواب في الحقيقة لمن منّ عليه ، ألا ترى إلى قوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ) ، وفي كرمه لا يجوز المنة على أحد من النّاس ؛ إذ المنة تقع على من هو خارج من ملكه ، فالمن على [شيء] يستحيل ، وما علمت أن الكريم في الحقيقة لا يمنّ لا سيما إذا كان الممتن عليه من خدمه.