فإذا أبصرتني أبصرته |
|
وإذا أبصرته أبصرتنا |
قال أبو سعيد الخراز في قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) : هم قوم صاروا مع الله بلا سبب ولا طلب ولا هرب ؛ لأنه مدركهم ، وهو معهم يعلم ما في ضمائرهم ، ويشهد حركات ظاهرهم ، ألم تسمع إلى قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ.)
وقال الواسطي في قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي : نحن أولى به وأحق ؛ إنا جمعناه بعد الافتراق ، وأنشأناه بعد العدم ، ونفخنا فيه الروح ، فالأقرب إليه من هو أعلم به منه بنفسه.
وقال أيضا : بي عرفت نفسك ، وبي عرفت روحك ، كل ذلك إظهار النعوت على قدر طاقة الخلق ، فأمّا الحقيقة فلا يحتملها العبد سماعا.
قوله تعالى : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) : سائق نفس العارف شوقه إلى جمال الحق ، وشاهد شوقه كشف مشاهدة شوقه بنعت الاطلاع على حرقة فؤاده ، فشهد له أنه وليّ مقرب يجلسه على بساط أنسه أبد الآبدين.
قال الواسطي : سائقها الحق ، وشهيدها الحق.
قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) : يا ليت لو علم الغافل هناك غاية أمره ؛ إذ كان غافلا عن مشاهدة الغيب ، فصار له منكشفا ؛ فيرى ما يرى مشاهدة وعيانا ، وثبت له حقيقة العيان بلا علة الاستدلال ؛ ليفرح بوجدانها حتى يطير من الفرح بكشفها ما يزيل عن قلبه هم العذاب وحزن العتاب ، فإذا حصل المقصود فأنّى العذاب خطر ؛ إذ الاحتراق بالنار بعد اليقين والعيان سهل على من يسّره الله عليه ، وبيّن سبحانه أنه إذا رفع غواشي قهره عن أبصار الغافلين صارت أبصارهم نافذة في رؤية الغيوب ، فيرون ما يفرح به قلوب العارفين في الدنيا من كشف عجائب الملكوت وأنوار الجبروت ، فأين أنت من العذاب والعقاب عند كشف النقاب وسماع الخطاب ومن ليس بغافل عن كشف عيان العيان وبيان البيان ، ومن يطّلع على حقيقة الحقيقة هاهنا حتى أتى بساط الأعظم