مصاعد الملكوت ومعارج الجبروت ، وأقسم بصدورهم ؛ إذ هي مملوءة من سناء العرفان وضياء الإيمان وأنوار الإسلام ، قال الله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ.)
قال جعفر في قوله : (وَالطُّورِ) : أي : وما يطرأ على قلب أحبائي من الأنس بذكري والالتذاذ بحبي ، (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) : وما كتب الحق على نفسه لهم من الاقتراب والقربة.
وقال سهل في قوله : (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) : هو القلب ، قلوب العارفين معمورة بمعرفته ومحبته والأنس به ، (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) : هو العمل المرضي الزكي الذي لا يراد به جزاء من الله في الظاهر.
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠))
قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي : كلوا من موائد قربه ، واشربوا من شراب وصله هنيئا بلا كدورة العتاب ووحشة الحجاب.
قال سهل : جزاء الأعمال الأكل والشرب ، ولا يساوي أعمال العباد أكثر من ذلك ، وأما شراب الفضل فهو قوله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) : شرابا على رؤية المشاهدة.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) : هذا إذا وقعت فطرة الذرية من العدم سليمة طيبة طاهرة لقبول معرفة الله ، ولم تغيرها تأثير صحبة الأضداد ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «كلّ مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (١) ، فإذا بقيت على نعت الأول ووصل إليها فيض مباشرة نور الحق ولم يتم عليها الأعمال والعمار يوصلها الله إلى درجة آبائهم وأمهاتهم الكبار من المؤمنين ؛ إذ هناك يتم أرواحهم وعقولهم وقلوبهم ومعرفتهم وعلمهم بالله عند كشف مشاهدته وبروز أنوار جلاله ووصاله ، وكذلك حال المريدين عند العارفين ، يبلغون إلى درجات كبرائهم وشيوخهم ، ما داموا آمنوا بأحوالهم ، وقبلوا كلامهم ، كما قال رويم قدّس الله روحه : من آمن بكلامنا هذا من وراء سبعين حجابا فهو من أهله.
__________________
(١) تقدم تخريجه.