منك أين الغالب وأين المغلوب ، إذا كان الحق صرفا ينطق ويسكت معناه أني مغلوب فانتصر الله غالبه وهازمه.
(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦))
قوله تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ) : كما أنزل الله الماء من سماء الظاء الظاهرة ونبع من الأرض الظاهرة فتح سماء الغيب على قلوب العارفين بمياه الكواشف والمعارف ، وفتح عيون قلوبهم بمياه الحكمة والمحبة ، فإذا وصل مياه المشاهدة إلى مياه المحبة استغرق فيها جنود النفس والهوى ، ولا يبقى أثرها ، فإذا أزاد الكشف والعيان وامتلأ بحر العيان يستشرف الأرواح على الفناء فيها ، فيدخلها الله في سنن العصمة ، ويجريها بشمال العناية ، وذلك قوله : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) : ألواح العناية ودسر الكفاية ، وتجري بعين الكلاءة في بحار الأزلية والأبدية بقوله : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (١) أي : تجري بعيون عنايتنا على عيون بحر الذات والصفات ، يحفظها بي عني ، حتى تستمع بمشاهدتي بي ، ولا ينقطع عني بي ، وهذا بيان محل الفناء والبقاء ، وافهم أن الأنبياء والأولياء سفن عنايته يتخلص العباد لهم عن الاستغراق في بحار الضلالة وظلمات الشقاوة ؛ لأنهم محفوظون بحسن عنايته ، وزيّن كلاءته ، ومن استنّ بسنتهم نجا من الطغيان والنيران ، ودخل في جوار الرحمن.
قال ابن عطاء : عيون الله في أرض إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم وسلامه عليهم أجمعين ، وهي تجري لهم وليس بينهما واسطة ؛ إذ كانوا به ، وكانوا له وعنه وفيه ومنه ، وهم يشهدون فعل ذاته ، وهو يجري بهم ، تجري بأعيننا التنقل في الدرجات والمقامات والكرامات وفي المواجيد وفي الأسرار يلقون فيها تحية وسلاما.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ
__________________
(١) أي : تجرى السفينة وتسير بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا ومنه قولهم للمودع عين الله عليك وقيل بأوليائنا يقال مات عين من عيون الله أي ولي من أوليائه. تفسير حقي (١٤ / ٣٩١).