فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))
قوله تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : يسأله من في السماوات من الملائكة كلهم على قدر مقاماتهم ، يسأله الخائف النجاة من البعد والحجاب ، ويسأله الراجي الوصول إلى محل الفرج ، ويسأل المطيع قوة عبادته ، ويسأل المحب أن يصل إليه ، ويسأل المشتاق أن يراه ، ويسأل العاشق أن يقرب منه ، ويسأل العارف أن يعرفه ، ويسأل الموحد أن يفنى فيه ، وهكذا أهل الأرض ، يسأل الجاهل ما يحتجب به عنه ، ويسأل العالم ما يعرف به ربه ، وكذلك الأنبياء والأولياء والأصفياء والأبدال ، يسألون منه على قدر مراتبهم ودرجاتهم معرفته ، ووصاله ، والتخلص بوقاية عظمته من قهره ، يسأل العارف الرعاية ، ويسأل المحب الكفاية ، ويسأل العاشق المشاهدة ، ويسأل الموحد النهاية ، وهو تعالى يكون من حيث مراد الجميع ، يعطي الكل مأمولهم ، ويزيد من فضله ، (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩) : مزيد قرب المقرّبين ، ووصل الواصلين ، وكشف اللقاء للمشتاقين ، وظهوره في كل ذرة للشائقين ، يظهر في كل لحظة من أنوار عجائب ربوبيته للمستأنسين ، وتلك العجائب بما لم ترها العيون ، ولم تدركه العقول ، ولم تعلمه القلوب ، ولم يلحقه الأرواح ، ولم تناولها الأشباح ، ولم تشاهده الأسرار ، وليس لها نهاية ، يبرز كل يوم وساعة أنوار عجائب ملكه وملكوته على قدر قوة إدراك المدركين ، وأفهام العلماء والعارفين ، وما كان في سوابق علمه في أزل أزله ، بشوق أسرارها ومقاديرها ، بسوط القدر إلى مجاريها ومواردها ، ولا تظن أن أحدا يصل إلى شأنه ، فإن شأنه أعظم من أن يدركه أحد من خلقه. قال الواسطي : من سأل الله أعطاه سؤله على قدره ، ومن ابتدأه بالعطاء ابتدأ بما يليق بفضله وجوده وكرمه ، قال الله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تعالى : أعطيتكم قبل أن تسألوني ، واستجبت لكم قبل أن تدعوني» (١).
قال أبو سليمان الداراني : كل يوم له إلى عبيده برّ جديد.
وقال أيضا : هو إيصال نعمه إليك ، ودفع الضر عنك ، فلا تغفل عن طاعة من لا يغفل عن برّك.
قال الواسطي : يغيب ظاهر ، وإظهار غائب.
وقال بعضهم : سوق المقادير إلى أوقاتها.
__________________
(١) رواه النسائي في الكبرى (٦ / ٤٢٤).