(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦))
قوله تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) : تفسيره بلسان الإشارة أن ما ينكشف بالبداهة من عالم الملكوت والجبروت ، وأسرار الغيوب ، وكشوف الصفات ؛ لظهور الذات ، ونزول الكلام والخطاب بالبداهة التي ليس فيها مراقبة العارفين ، ولا ترصد قلوب المحبّين ، إلا مطالبة الشاهدين ، ولا قصور المريدين ، بل سدّ بحار أنوار الألوهية ، وأسرار الملكوتية ، وغلبات سيول عيون الجبروتية ، فلله منها نصيب بأن يكتمونه ، ولا يخبرون بذلك أحدا سترا على الأسرار ، وخوفا من غيرة الجبار ، ألا ترى كيف وصف النبي صلىاللهعليهوسلم بعض الملائكة التي رآهم ليلة المعراج ، فأمسك لسانه من الوصف ، وقال :
«إلى هاهنا أمرت» (١) ، وما لرسول منها أن يكون بعضا من مقاماته لا يجوز أن يخبر عنه ؛ فإنه محل ستر الله وغيرته على حبيبه صلىاللهعليهوسلم ، وما للمكاشف الذي هو نائب الأنبياء ، هو يتصرف بنفسه كما يشاء ، فيؤثر لنفسه الخوالص والأسرار فيكتمها ، وما يوافق قلوب أهل الصحبة يخبرهم منه وهم على طبقات.
(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ
__________________
(١) هو من الأحاديث التي تفرد المصنف بذكرها في كتبه.