قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : هو إشارة غيب الغيب ، والله ظهور الغيب الذي رجوع الوصف إلى الغيب ، ولا نفى معارف وإله تلبيس ومكر تشغل المخاطب عنه بالاسم والرسم ، وإلا هو بيان حق الحقيقة ، وكشفها بنعت الهوية في الغيب ، فأول الخطاب نكرة ، وآخر الخطاب نكرة غيب في غيب ؛ إذ لا يعرف الأزل والأبد ، ثم وصف نفسه بأن غيبه مكشوف لعينه يرى الغيب كما يرى الظاهر ؛ إذ الغيب ظاهر والظاهر غيب ، وهو قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : «الغيب» : ما في صميم السر ومكامن روح الروح ونفس النفس ، و «الشهادة» : ما خرج من العدم عالم بالمعلومات الغيبية قبل وجودها ، وبعد وجودها لا يزيد علمه بالغيب علمه بالعلانية ، ولا علمه بالعلانية علمه بالغيب.
قال سهل : «الغيب» : السر ، و «الشهادة» : العلانية ، ثمّ رجع إلى بيان الهوية التي هي مستورة عن الكل بقوله : (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) : أبرز الصفة بعد غيبوبتها ، ونعت نفسه بالرحمة الواسعة بالمبالغة وتواثيرها الإيجاد وظهورها في الأفعال ، ثمّ رجع بعد الإظهار إلى ذكر الغيوب في الغيوب ، والنكرات في النكرات بقوله : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، ثمّ أبان الصفة بالفعل بقوله : (الْمَلِكُ) ، ثم أفرد الصفة عن الفعل ، فقال : (الْقُدُّوسُ) : مقدّس عن مباشرة الحدوثية ، ثم زاد وصف قدسه عن إدراك الحدث وعلل الكون بقوله : (السَّلامُ) ، ووصف نفسه بأنه ما من الخائفين بقوله : (الْمُؤْمِنُ) ، ثم وصف نفسه أيضا بأنه الصادق في وعده المصدق أولياءه بقوله : (الْمُهَيْمِنُ) ، ثم زاد في وصفه بأنه العالي عن همم الخلائق الممتنع بذاته عن إدراكهم لا يقوم في كبريائه الحدثان بقوله : (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) ، ثم زاد في ذكر قدسه بقوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) : عما يشيرون إليه بالنواظر والخواطر ، ثم زاد وصف غيبه وكنه الكنه ، وعين العين الظاهر بلباس الغيب ، ثم ذكر تأثير ظهوره بإظهار الخلق بقوله : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) ، ثم بيّن لذاته النعوت والأسامي القديمة المقدسة عن الإشراك والإدراك بقوله : (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ، فلما ظهر بهذه الأوصاف ظهرت أنوار صفاته في الآيات ، وألبس أرواح نوره الأرواح والأشباح والأعصار والأدهار والشواهد والحوادث ، فسبّحه الكل بألسنة نورية غيبية صفاتية بقوله : (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، ثم بيّن أنه منزّه بتنزيهه عن تنزيههم وإدراكهم وعلمهم به بقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : «العزيز» : عن الإدراك ، «الحكيم» في إنشاء الأقدار تعالى الله عما أشار إليه الواصف الحدثاني ، واللسان الإنساني.