شهواتها ، وأنها تعارضكم في مكاشفاتكم وأحوالكم ، ألا ترى كيف قال الله : (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) ، وأصل عداوة النفس أن تفطمها من مألوفاتها ، وتلزمها في حبس المراقبة والرعاية ، وعلامة حب الله بغض عدو الله.
قال عليه الصلاة والسلام : «أفضل الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله» (١).
قال أبو حفص : من أحب نفسه فقد اتخذ عدو الله عدوه وليّا ؛ فإن النفس تخالف ما أمرت به وتعرض عن سبيل الرشد ، ويهلك بحبها ومتبعها في أول قدم.
قوله تعالى : (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) أي : ما أضمرتم في صميم قلوبكم من الميل إلى الهوى ، وما أعلنتم من الميل إلى الحق ، وفي الحقيقة ما أخفيتم من دعوى الأنائية ، وما أعلنتم من العبودية ، وهذا الخطاب لصاحب نفس ، وصاحب قلب.
قال أبو الحسين الوراق : بما أخفيتم في باطنكم من المعصية ، وما أعلنتم في ظاهركم للخلق من طاعة.
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥))
قوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) : أسوة إبراهيم خلة الله والتبرؤ مما دون الله ، والتخلّق بخلق الله ، والتأوّه والبكاء من شوق الله.
قال ابن عطاء : الأسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة ، وهى السخاوة ، وحسن الخلق ، واتباع ما أمر به على الطرب ، وفي الباطن الإخلاص لله في جميع الأفعال ، والإقبال عليه في كل الأوقات ، وطرح الكل في ذات الله.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦))
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) : أسوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم محبة الله ، ومراقبة الله وترك ما دون الله ، واحتمال واردات الغيب بالله ، والصبر في الله وبالله ولله ومع
__________________
(١) رواه الخطيب في التاريخ (١١ / ٣٥٤).