دنو الدنو ، والاتصاف بالحق ، والنظر إلى وجهه بحد الاستقامة بلا تغيير ولا تبديل ، وهناك مقام الشفاعة الخاصة الشاملة تشمل الكل بلا سبب ولا علة ، وهو خاصّ له دون غيره من العرش إلى الثرى ؛ لذلك بشّر عيسى عليهالسلام قومه بقدومه المبارك.
قال ابن عطاء في قوله : (اسْمُهُ أَحْمَدُ) : قال أحمد الحامدين له حمد ، وأحمد المطيعين له طاعة ، وأحمد العارفين به معرفة ، وأحمد المشتاقين إليه شوقا على نسق قوله : (أَحْمَدُ) (١).
قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) : كيف يطيق الحدث أن يطفئ نور الأزل والقدم ، وهو منزّه عن أن يغيره أهل الحدثان إذا شهر نوره على أحد من أهل نوره ، يزيد نوره على نوره عليه ، حتى لا يبقي ذرة من العرش إلى الثرى إلا وهي مملوءة من نوره ، فلذلك النور يقهر الجبارين والقهارين ، ويقرّبه عيون العارفين والموحدين.
قال بعضهم : جحدوا ما ظهر لهم من صحة نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأنكروه بألسنتهم ، وأعرضوا عنه بنفوسهم ، فقيّض الله لقبوله أنفسا أوجدها على حكم السعادة قلوبا زيّنها بأنوار المعرفة ، وأسرارا نوّرها بالتصديق ، فبذلوا له المهج والأموال ، كالصدّيق ، والفاروق ، وأجلّة الصحابة رضي الله عنه.
(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢))
قوله تعالى : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) : المساكن الطيبة مواضع كشف مشاهدة الجمال ، وقلوب العارفين مساكن الأرواح العاشقة ، طابت وتطيّبت بتجلّي الحق سبحانه.
قال سهل : «أطيب المساكن» : ما أزال عنهم جميع الأحزان ، وأقرّ أعينهم بمجاورة رب العالمين.
وقال بعضهم : «طيبة» : بلقاء الله عزوجل.
قال الأستاذ : تطيب تلك المساكن برؤية الحق سبحانه.
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣))
__________________
(١) لما أراد الله سبحانه أن يظهر لعرائس مملكته ، ولخاصة أوليائه من قدسية نور سره الأول ، وإنسان عينهم الكامل المكمّل ، وهو النبي المصطفى الطاهر الأمجد ، سماه في أهل السموات باسمه (أحمد) ، إظهارا لمنزلته عند ربه ، وعلو رفعته عند خالقه فكأنه يقول لأهل حضرته : لئن ظفرتم بالغنم في تنزيهي وتقديسي وذكري ، فلقد زاد على حمدكم حبيبي أحمد الذي بالغ في حمدي وشكري ، وفوض أمره لأمري ، فهو أفضل من خلقت ومننت عليه بجميع محامدي ، وأعظم من رزقته وصيرته إكسير محامدي.