يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١))
قوله تعالى : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) : وصف الله المنافقين بالبخل والحرص والحسد على أمر الدين من قلة معرفتهم بجاههم عند الله ، وحسن عواقبهم عنده ، وسبق عناية الله فيهم ، وخذلان أهل النفاق ، وفي كل موضع فيه نفاق ، فالبخل والحسد لازمته.
قال الواسطي : من طالع الأسباب في الدنيا والأعواض في الآخرة لم يفقه قلبه وبقي في حجاب نفسه ومراده ، ألا ترى المنافقين كيف احتالوا بالبخل عليهم بالدنيا ، ولم يعلموا أن ذلك لا يحجبهم عن التوفيق ، وكيف حكى الحق بقوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٧) ، ثم بيّن الله أن له خزائن السماوات والأرض يفتحها لأوليائه ، فيعطيهم من فضله ، ولا يحتاجون إلى من سواه بقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : «خزائن السماوات» : قدرته وجبروته ، و «خزائن الأرض» : ملكه وسلطانه ، له في السماوات خزائن قلوب المقربين ، وفي الأرض خزائن قلوب العارفين.
قال الجنيد : «خزائنه في السماوات» : الغيوب ، و «خزائنه في الأرض» : القلوب ، فما انفصل من الغيوب وقع على القلوب ، وما انفصل من القلوب صار إلى الغيوب ، والعبد مرتهن بشيئين : تقصير الخدمة ، وارتكاب الزلّة.
قال رجل لحاتم الأصمّ : من أين تأكل؟ فقال : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١).
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ) : بيّن الله سبحانه مقام عين الجمع ، وهو ظهور أنوار عزته للأنبياء والمرسلين والعارفين والصادقين ، وباشر نور عزّته قلوبهم ، فصاروا متصفين به ، متعززين بعزته ، فعزة الله معدن عزتهم ، وهم مكتسون بكسوة عزه ، فإذا ظهر ذلك النور منهم يتدلل لهم الحدثان والزمان والمكان والإنس والجان والأسد والثعبان والمياه والنيران والأمير والسلطان ، «فعزة الله» : جبروته ، و «عزة الرسول» : برهان نبوته ، و «عزة
__________________
(١) كل ما عند العبد من مال فهو خزانة الحق عنده والعبد خازنه فمهما تعدى خزانة مولاه بغير إجازة استحق السياسة بقطع آلة التعدي إلى خيانة خزانته وهى اليد المتعدية.