فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩))
قوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) كان الملعون مشبها لذلك قال : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : شيء هو؟ فوقع في الخيال ، فأجابه موسى : (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) أي : موجد الأشياء بلا كيف ، وهو منزه عن التكييف والتصوير ، وزاد الحجة عليه من حيث قطع نسبة التشبيه عنه بقوله : (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦) أي : ليس الخالق كالمخلوق أوجدكم وأوجد آباءكم من العدم بقوة القدم ، ومن كان قديما انقطع عنه إشارات الأوهام والخيال ، فلما سمع الملعون حجة كاملة ، وعلم أن حجته القطع نسب موسى إلى الجنون لما لم يكن له جواب لموسى ، وخاف أن يسقط من أعين قومه.
قال عمرو المكي : علم فرعون أن الحجة قد وجبت فخاف الافتضاح عند قومه ، فأعرض عن مساءلة موسى ، ورجع إلى قومه ، وقال : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ).
قال موسى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) تبين بذلك حجته ، وظهر افتضاحه في انقطاعه ، فثبت الحجة عليه إذ لم يدفع الحجة بحجة ، والإشارة في قوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) مشرق قلوب العارفين يشرق بطلوع شمس تجلي الصفات والذات ، ومغرب نفوسهم التي هي معدن ظلمات قهره حين ابتلاهم بالاستتار بعد التجلي.
قال ابن عطاء : منور قلب أوليائه بالإيمان ، ومشرق ظواهرهم به ، ومظلم قلوب أعدائه بالكفر والعصيان ، ومظهر آثار تلك الظلم على هياكلهم.