المجاز ، وكان ذلك من غاية جهله ، وليته منّ على كليم الله الذي كان مستغرقا في بحار امتنان الحق وتربيته بألطافه بقوله سبحانه : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩) [طه : ٣٩] ؛ فيكتفي.
قال محمد بن علي : ليس من الفتوة تذكار الصنائع ، وتزداد على من اصطنعت إليه ، ألا ترى إلى فرعون لما لم يكن له فتوة كيف ذكر صنيعه ، وامتن به على موسى.
(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))
قوله تعالى : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) إن الله سبحانه إذا أراد أن يبلغ أحدا من خلقه إلى مقام من النبوة والولاية ، وهو في موضع شائن يلقي عليه رعبا حتى يفر إليه من خلقه ؛ فيكشف له خصائص أسراره كما فعل لموسى ، وكان في الأزل مجتبى بالرسالة والنبوة ؛ فالإخبار عنه بقوله : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) أي : من قبح أعمالكم لما خفتكم من نزول عقوبة الله عليكم ، (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) معرفة بجلاله وعزه ، وفهما بحقائق ملكه وملكوته ، وعلما بذاته وصفاته وربوبيته وعبوديته أي : كانت هذه المنزلة لي بحق الاصطفائية في الأزل ، ولكن ظهر علىّ لطائفها لما فررت منكم إليه.
قال بعضهم : الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين.
قال الله : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ.)
قال ابن عطاء : فررت من مجاورتكم ، وخفت من جرأتكم على ربكم لما لم تحفظوا حقوق الرسل ، ولم أر عليكم علامات التوفيق.
وقال بعضهم : فارقتكم لما خفت نزول العذاب عليكم.
(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ