الحالات بقوله : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢)) وخوفه كان شفقة عليهم.
قال ابن عطاء : أمره بدعائهم إلى توحيده ، وقد أشهده عظمته في القراءة وإحاطة علمه وقدرته بعباده ؛ فقال (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) فنطق بخوفه بلسان إعظام الحق وإجلاله ؛ خوفا من أن يرى تكذيبهم بمقال ، ورد عليهم من الحق خاف من استماعه إنكارا وأشفق من مشاهدتهم على ذلك إكبارا ، ولما استطاب موسى مقام المداناة والمناجاة مع الحق سبحانه تعلل بقوله : (وَيَضِيقُ صَدْرِي) أي : ضاق صدري من حمل وارد كشف الألوهية ، ومن غاية سكري بشراب المحبة والوصلة ، ونظر روحي إلى جمال الديمومية (لا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ) بإبلاغ الرسالة ، ولا يحتمل صدري رحمة رؤيتهم (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) بالعبارة عن مقامي بين يديك لهم.
قال الشبلي : كذلك صفة من يحقق في المحبة أن يضيق صدره عن حمل ما فيه من أنواع المحن ، ويكل لسانه من الإخبار عن شيء منه لنفرح به ؛ فيموت فيها كمدا أو يعيش فيها فندا.
ولما طاب وقت موسى في استماعه كلام الحق من الحق بلا واسطة ، وحصل له لذة الحضور والمشاهدة ثقل عليه إحكام الرسالة مع الخلق ، وإبلاغها إليهم فتعلل بقوله تعالى : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)) ، وليس بعجب طريان خوف الطبيعة وصفات البشرية على الأنبياء في الأصل ؛ فالمعرفة ثابت ، وهذا شرط الانبساط ، والسؤال عن سر القدر هل يكون مقتولا بيدهم بالحكم السابق ، فأخبره الحق سبحانه أن فرعون وقومه من الهالكين لأجل عصيانهم له بقوله : (كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥))) أي : من كنت معه بالنصر والظفر لا يخذله أحد.
قال أبو بكر بن طاهر : السؤال سؤال الحق تعالى عن علمه فأجابه : (كَلَّا) ، ثم بدأ قال : (فَاذْهَبا ...) الآية ، وهو تقدير بسؤاله أي : هل في سبق علمك وواجب حكمك أن يقتلون ، يستدل على ذلك بجواب الحق له (كَلَّا) ، ثم خاطبه وبعثه بالرسالة ، وأمرهما بإظهار الدلالة.
(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠))
قوله تعالى : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) ظن الملعون أنه ربي موسى ، وكان موسى مربّى في حجر وصلة الله سبحانه بألبان شفقته ، ورعاية حسن عنايته حقيقة ، فرجع إلى منة