قلبهم عن مساكنة كل مخلوق ، و «الميم» إشارة إلى منة الخالق عليهم بذلك (١).
قوله تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٣) أخبر عن كمال شفقة حبيبه على أمته أنه كان يحب ألا يبقى في الأرض أحدا إلا يكون لمحبوبة محبّا خاضعا ووليّا صادقا ، وهو تعالى أخبره أن حرصك بإيمانهم لا يمنع سوابق حكمي فيهم ، وفيه بيان أن الإيمان والمعرفة موهبة خاصة خارجة عن اكتساب الخلق.
قال سهل : تهلك نفسك باتباع المراد في هدايتهم وإيمانهم ، وقد سبق مني الحكم في إيمان المؤمنين وكفر الكافرين فلا تغيير ولا تبديل.
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (٧) كما أنبت سبحانه من أرض الظاهر كل صنف ونوع من النبات الحسن الكريم أنبت في أرض قلوب العارفين كل لون من نبات المعارف وأنوار الكشف وأشجار المحبة ورياحين المودة والحكمة.
قال أبو بكر بن طاهر : أكرم زوج من نبات الأرض آدم وحواء ؛ فإنهما كانا سببا في إظهار الرسل والأنبياء والأولياء والعارفين.
(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧))
قوله تعالى : (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠) ناداه بلسان الوصال وكشف الجمال.
ثم امتحنه بأعظم البلاء ، وهو صحبة الأضداد إظهارا للربوبية ، وإيجادا للعبودية فأشفق موسى على خلقه بأنهم إن كذبوه هلكوا ؛ لأنه أخبر عن عظائم المقامات وحقائق
__________________
(١) الحروف المقطعة في أوائل السور يجمعها قولك : (سرّ حصين قطع كلامه) وأولى ما قال أهل التفسير في حق هذه الحروف الله أعلم بمراده لأنها من الأسرار الغامضة كما قال سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه : «إن لكل كتاب سرا وسر القرآن في المقطعات».