قوله تعالى : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤) (١) أي : كبّره برؤية كبريائه بحيث لا يبقى في قلبك النظر إلى غير كبريائه ، وطهّر قلبك عن وقوفه على ما يجد من المداناة والقربات ، فان وراء الوراء.
قال الجريري : كبّر الكبير ، واعلم أنك لا تنال كنه كبريائه.
قال الحسين : عظّم قدره عن احتياجه إليك في الدعوة إليه ، فإن إجابة دعوتك ممن سبقت له الهداية.
قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦) أي : لا تعط وجودك إلينا على رؤية الأعواض من غيرنا ؛ لتستكثر الدرجات والأعواض ، فإن هذه من سجية من لا يعرفنا.
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) (٧) في بذل وجودك في جريان تقديره ، وأيضا أي : مع ربك وفي ربك حين انكشف لك أنوار أسراره ، وخاصيتك في النظر إلى جلاله وجماله ، ولا تنزعج ، فتسقط عن درجة التمكين.
قال القاسم : لا ترى ما أنت فيه لله كثيرا وتستكثره ؛ فإنه لا حدّ لأحد يقوم بمواجبه ولوازمه ، (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) : تحت القضاء والقدر.
قال ابن عطاء : لا تمنن بعلمك ، فتستكثر طاعتك ، ولا تكون رؤية الاستكثار إلا برؤية النفس ، فمن أسقط عنه رؤية نفسه فقد أزال عنه رؤية الأعمال والطاعات والاستكثار بها.
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ
__________________
(١) قال سهل : أي لا تلبس ثيابك على معصية ، فطهره عن حظوظك واشتمل به ، كما حكت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم خميصة ، فأعطاها أبا الجهم وأخذ إنبجانيته. فقيل : يا رسول الله إن الخميصة خير من الإنبجانية. فقال : «إني كنت أنظر إليها في الصلاة». التستري (٢ / ٢٠٣).