والنفس اللوامة عالم ، يظهر من النفس اللوّامة لحار فيها ما يظهر يوم القيامة ؛ لأن الملكوت والجبروت تظهر بنورها وسناها وعجائبها وغرائبها بتجل من النفس اللوامة ، وغرض الكل من العرش إلى الثرى هي النفس اللوامة ، والنفس اللوامة الروح الناطقة العالمة بربها ، العارفة بصانعها ، المحبة لمدبّرها ، المشتاقة إلى الله ، العاشقة بالله ، تلوم نفسها عند كل خطرة تطأها بنعت الوقفة على ما يجد من الله من سنا الدرجات ، ورفيع المقامات ، وتلوم على قصور معرفتها بالله على الحقيقة ، ولا تأتي حضرة الله إلا بنعت الخجل والحياء ، وهي لا تنظر إلا الأعمال وأعواضها ، فإن جميع الأعمال لا تزن عندها جناح بعوضة ، بل تلوم النفس الإنسانية الحيوانية والجسمانية بما يقترف من الذنوب والسيئات ، حين لم توافق العقل القدسي الذي هو وزيره ، وتلك الملامة منها إذا كانت في السير ، فإذا وصلت مشاهدة الحق والغاية في شهود الغيب سقطت عنه الملامة ؛ لأن هناك تفنى ، لا رسوم ، ولا يبقى للحدثان أثر ، فيخرج من بحر الربوبية على نعت الطمأنينة ، فإذا كادت أن تشتغل برسوم العبودية ناداها الحق ، ودعاها إلى نفسه بقوله : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ.)
قال سهل : «النفس اللوّامة» : هي النفس الأمّارة بالسوء ، وهي قرينة الحرص والأمل.
(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١))
قوله تعالى : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩) : هذا على الظاهر جواب المنكر البعث ، ولأهل الحقائق هناك وصال لا انفصال فيه ، وذلك حين عاين قدس ذات القديم ، فبرقت أبصار العارفين في سطوات عظمته ، وخسفت أقمار قلوبهم في معاينة عزته ، فهناك محل الفناء في الحق حين بانت شموس الذات ، وأقمار الصفات ، وجمعت أنوارها في قلوب العارفين ، وهم يذوبون تحت أثقال صدماتها ، فيفرون منه لضعفهم عن حمل واردات القدسية ، وبديهات كشوفات الألوهية ، ويطلبون مقر الأنس من رؤية القدس ، فأكّد الله أمر بقائهم فيه بنعت الفناء حيث قال : (كَلَّا لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢) أي : مستقركم بين أنوار جلالي وجمالي ، لا يطّلع عليكم غيري ، وهم فيها أبد الآبدين.