قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١٤) : بصيرة الإنسان هناك عارفة بمعرفته ، حيث عرف إيّاه منازلها ومراتبها وجناياتها ومعاملاتها ، ولا تعريف الحق إيّاها ما اطّلعت عليها ، كما لم يطّلع عليها في الحجبة والغربة ، فإذا وقعت المعرفة وقعت البصيرة ، وإذا وقعت البصيرة وقعت الخاصيّة ، والمختص بهذه المراتب شريف في الدارين.
قال الواسطي : تخلّص النحائز أورث مطالعات المعارف ، وسلامة البصائر أوجبت الضياء في الضمائر ، وملاحظة الكريم أوجبت النعيم.
قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) أي : إن القرآن كلامنا ، وهو قائم بنا ، لا تعجل عند الوحي تحفظه ، فإنه محفوظ عندنا بتجلي أنواره لقلبك ، حتى يتّصف بها ، فتصير أهلا للقرآن ، لا تنساه أبدا ، بعد أن باشر نوره قلبك ، وسرك بجميع معناه ، وأسرار لطائفه في قلبك وفهمك ، وتبيّن ظاهره وقراءته وبيانه على لسانك.
قال الواسطي : جمعه في السر ، وقرأته في العلانية.
وقال : أودع القرآن سرائرهم ، وأودع البيان بواطنهم ، فقال الله تعالى :
(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧).
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠))
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) : وصف الله وجوه مشاهديه بالنضارة والبشارة والبهجة والسرور ، وذلك أنهم يرونه راضيا عنهم ، فإذا وجدوه بوصف الرضا زال عن قلوبهم الهيبة ، وعن وجوههم الصولة ، نظروا إلى جماله ، فصارت وجوههم ناظرة بهيئة مبتهجة مسرورة مستبشرة ، وذلك من حسن تجلّي جماله ، والآية تدل على أن القوم ينظرون إلى الله وهم في حال الصحو والبسط ، ولو عاينوه بوصف الجلال والعظمة والكبرياء صرفا لهلكوا في أول سطوة من سطواته ، وصارت وجوههم دهشة ، يرونه بنوره ، بل به يرونه ، وهنالك وجود العارف كلّه عين يرى حبيبه بجميع وجوده ، وتلك العيون