عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩))
قوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ) الإشارة في قوله : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) الهاء راجع إلى العرش لا إلى الله ، وكأن القائل به في درجة الاتحاد والأنائية والاتصاف وعين الجمع وجمع الجمع ؛ لأن المتصف بالقدرة يجري عليه تصاريف الملك بغير رجوعه إلى الله بنعت العبودية والخضوع والدعاء كصنيع من كان في محل العبودية ؛ لأن من شاهد الربوبية يجري عليه أوصاف الربوبية بغير اختياره وتكليفه (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] ، فإذا سأل فأجيبه ، ويحصل مراده بالدعاء ، فهو في درجة الكرامات لا في درجة الاتحاد والاتصاف ، ووصف الله «آصف» بأنه كان عالما بالكتاب ، والإشارة فيه أنه كان عالما بعلوم الظاهر ، وعالما بعلوم الباطن ، وعرف معاني الاسم الأعظم في الكتاب الذي أنزل الله على موسى وهارون وإبراهيم وداود وسليمان ، وأدق الإشارة فيه أن ما كان عنده من علم الكتاب ما كان يطلع عليه من علم أسرار الله المكتوم في ألواح النور ، وذلك العلم كان مكاشفا لقلبه بنعت السرمدية ، لذلك قال : (عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ، قوله : (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) أيضا فيه إشارة عين الجمع ؛ لأن ما كان عنده ؛ فهو عند الله ، فإذا قال الله : (عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) والانبساط منه إليه ، وهو أشرف في الفضل ، وفيه جواز الكرامات للأولياء في زمان الأنبياء ، والعلم بالاسم الأعظم.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الاسم الأعظم الذي دعا آصف يا حي يا قيوم» (١).
قال بعضهم : هو آصف ، نظر إلى عين الجمع ، وتكلم عن عين حقيقة جمع الجمع ؛ فقال : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) ، والهاء راجع إلى الحق أي : بالله وعونه ونصرته ، وقيل : على لسان
__________________
(١) ذكره الطبري في تفسيره (١٩ / ١٦٣).