إلى العشق والمحبة ؛ فأرادت ألا تكون مخذولة حين دخل في بلدها سليمان ، ولا تتأذى بنفسه في محبته ، فإن العاشق لا يريد إيذاء معشوقه ، ومن إشارة المعرفة إذا دخل سلطان الوجد والمحبة والمعرفة ، والمشاهدة في قلوب العارفين ، أغار ما دون الله من العرش إلى الثرى ، ولا يبقى فيها إلا نور بلا ظلمة وصفاء بلا كدورة ، وجمع بلا تفرقة ، وذكر بلا فترة ، وعشق بلا شهوة ، وصدق بلا غفلة ، ويقين بلا شك ، وإخلاص بلا رياء ، ويصير أوصاف النفس الأمارة محمودة ، وصارت أبواب القلوب على الشياطين مسدودة ، ويكون الروح مشاهد الحق بلا حجاب.
قال جعفر الصادق : أشار إلى قلوب المؤمنين أن المعرفة إذا دخلت القلوب زال عنها الأماني والمرادات أجمع ؛ فلا يكون للقلب محل لغير الله.
قال ابن عطاء : إذا ظهر سلطان الحق ، وتعظيمه في القلب تلاشى الغفلات ، واستولى عليها الهيبة والإجلال ، ولا يبقى فيه تعظيم شيء سوى الحق ، فلا يشتغل جوارحه إلا بطاعته ، ولسانه إلا بذكره ، وقلبه إلا بالإقبال عليه.
وسئل أبو يزيد البسطامي عن نعت العارف (١)! فقال : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها.)
قال الواسطي في قوله : (أَفْسَدُوها) أي : عطلوها عما سواه ، (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) كل ما كان أعز في عينه وقلبه صار ذليلا طريدا عن قلبه ، وحق لهم ذلك ، وقد غيبهم الحال عن كل وارد في الحال ؛ فأسرارهم عن سرهم نافذة ، وأماكنهم عن مكانهم غائبة ؛ لأن الحق لاحظهم بعناية القدرة ، واشتمال التولي والنصرة ؛ فحمل عنهم ما حملهم من أثقال هداية وولاية.
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ
__________________
(١) وفي رواية «المعرفة» ، كما في كتابنا : «سلطان العارفين» (ص ٢٢٢) ..