قالت : إنه كتاب كريم ، وأيضا لما قرأت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) عرفت أنه كلام الله ، ولا يشبه كلام الخلق ، وقالت : كتاب كريم ؛ فانبسطت من باء (بِسْمِ اللهِ) إشارة بدء القدم والبقاء اللذين هما أصل جميع الصفات القديمة القائمة بذات الحق سبحانه من عرفه بالقدم والبقاء فقد عرفه بجميع الذات والصفات ، وتلك المعرفة لا تكون إلا لمن شاهد مشاهدة الأزل والأبد ، وعرفت من السين إشارة سنا الحق وأسراره ، ومن الميم ملكه ومحبته ، وإشارة الهيمنة المشاهدة المحيطة بكل ذرة من العرش إلى الثرى من حروف الله إشارة عين الذات الواحد الفرد من الألف ، ومن اللامين الجلال والجمال ، ومن إلهام الهوية ، وغيوبات الغيب ، ووجدت في الكلمة وجوب العبودية للربوبية ليصل برحمة الرحمانية العامة في الدنيا والآخرة ورحمة الرحيمية الخاصة في الآخرة لأهل الخصوص ، وعلمت أنها بجميعها مقام الاتصاف من اتصف بها سهل عنده بتلفظها مراد أراده من معنى الإجابة القدرة بالأشياء بالآيات والكرامات.
قال الواسطي في قوله : (كِتابٌ كَرِيمٌ) : مختوم مزين بزينته ، وقيل : كرامة الكتاب ابتداؤه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وقيل : كرامته عنوانه.
وقال الحسين في (بِسْمِ اللهِ) : قولك منك بمنزلة «كن» منه ، وإذا أحسنت أن تقول : (بِسْمِ اللهِ) تحققت الأشياء بقولك : (بِسْمِ اللهِ) كما تحقق بقوله : «كن» ، وقيل في قوله : (كِتابٌ كَرِيمٌ) : لأن الرسول كان طيرا ، فعلمت أن من يكون الطير مسخرة له [فهو] عظيم الشأن.
(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها) لما وجدت في الكتاب تلك الكرامات ، عرفت عظم شأن سليمان وجلاله ، وما عليه من أنوار الحسن والجمال ، فمال قلبها