والخلق الحسن» (١).
وقال ذو النون : من استأنس بالله استأنس بكل شيء مليح ، ووجه صبيح ، وبكل صوت طيب ، وبكل رائحة طيبة.
قال الجنيد في قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ) : لأفرقن بينه وبين إلفه.
وقال جعفر : لأبتليه بشتات السر.
وقال جعفر الخلدي : لألزمته صحبة الأضداد ، فإن ذلك من أشد العذاب.
قال بعضهم : لأبعدنه من مجالس الذاكرين.
جئنا إلى قصة العشق في إشارة قوله سبحانه حاكيّا عن قول الهدهد : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) الإشارة فيه أن القوم وقعوا في بحر عشقها فخدموها بالعشق ، وهي كانت تحب وجهها ، فهم بالحقيقة يسجدون لشمس الحسن ، ثم هاج سر الهدهد بنعت غيرة التوحيد إلى إفراد القدم عن الحدوث ؛ فقال : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) هذا التوحيد ذكر الهدهد ؛ لأنه علم أن حال سليمان بداية العشق ، ونهاية التوحيد ، فذكر ما وافق حاله أنه عليهالسلام إذا شغله الصافنات الجياد ، قال : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (٣٣) [ص : ٣٢ ، ٣٣].
(قالت يأيها الملؤا إني القي إلى كتب كريم (٢٩) إنه من سليمن وإنّه بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣))
قوله تعالى : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣٠) حكى الله سبحانه عن قول بلقيس حين ألقي إليها الكتاب أن ذلك الكتاب كتاب كريم ، وذلك أنها استنشقت منه رائحة المحبة ، لذلك قالت : إنه كتاب كريم ، وكان الكتاب مختوما بخاتم الملك فألهمها الله منقوش الخاتم الذي هو اسم الله الأعظم.
__________________
(١) ذكره المناوي في «فيض القدير» (٢ / ٤١٧) ، والعجلوني في «كشف الخفاء» (١ / ٢٦١) بنحوه.