قوله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) المضطر مستغرق في بحار شوقه ، متحير في أودية النكرة ، دهش في ميادين المعرفة ، واله في سراب الحيرة ، يريد أن يفنى في الحق ، ويغلب عليه محبة الوصال ، وعشق الجمال ، والأنس بالجلال ، غائب عن الخليقة ، واله بكشف الحقيقة ، مجاب الدعوة بكشف الوصلة ، يريد عشقه بعد معرفة جماله وجلاله ، وعشقه بوصاله بنعت الافتقار إلى نوال دنوه ، يرى بحار مشاهدته ، وهو عطشان إلى قطرة منها ، ويقول بوصف الاضطرار :
لإن كان يهدى برد أنيابها العلا |
|
لأفقر منّي إنّني لفقير |
وهذا الفقير بكرمه لمخلص من نفسه وجود الحدثان وجميع الحجاب والفراق وآلام البعد ، ألا ترى كيف قال سبحانه : (وَيَكْشِفُ السُّوءَ.)
قال سهل : المضطر هو المتبرئ من الحول والقوة والأسباب المذمومة.
قال ابن عطاء : أحوال المضطر أن يكون كالغريق أو كالمتعطل في مفازة قد أشرف على الهلاك.
قال عمرو المكي : أوجب الله على الداعين له بصفة خصوص الإجابة ، وهو المضطر.
قال الله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ.)
وقال الحسين : من شاهد اضطراره ؛ فليس بمضطر حتى يضطر في اضطراره عن مشاهدة اضطراره بمشاهدة من إليه اضطراره.
وقال الأستاذ : فصل بين الإجابة ، وكشف السوء ؛ فالإجابة بالقبول والكشف بالطول ، الإجابة بالكلام ، والكشف بالإنعام ، ودعاء المضطر لا حجاب له ، ودعاء المظلوم لا رد له ، (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ، ومعنى قوله : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) هذا وصف التمكين بعد التلوين ، والتجلي بعد الاستتار ، والحضور بعد الغيبة ، والغنى بعد الفقر ، والكشف بعد الحجاب ، والوصال بعد الفراق ، والوصلة بعد الحيرة ، يجعل العارفين ملوكا بعد كونهم مكدين على باب جلاله ، مفتقرين إلى وصاله بكشف جماله ، فإذا كانوا مستقرين على مساند الوصال في مجالس الجمال سكارى من شراب المؤانسة بين ياسمين القربة لا يذكرون أيام الفراق بعد الوصال كما قال القائل :
كأنّ الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى |
|
ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلا |
قال الأستاذ : كما وعد للمضطر الإجابة ، وكشف السوء ، وعده أن يجعله من خلفاء الأرض (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٦].