يَعْدِلُونَ (٦٠))
قوله سبحانه وتعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) خلق سماوات الأرواح ، وأرض القلوب (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي : مياه المعرفة من بحر الاصطفائية ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) أنبتنا به بساتين المحبة المنورة بنور المشاهدة.
قال ابن عطاء : إذا بهج السر بما ظهر على قلب العبد من الرب ، والبهجة نور يظهر ، فلا يبقى معها شيء من الظلمة لا ظلمة الجهل ، ولا ظلمة الريب والشك ، ولا اشتغال بشيء آخر ، وعلامته السكون بالله ، والانقطاع إلى الله ، والاعتماد عليه.
(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١))
قوله سبحانه وتعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) جعل قرار أرض القلوب بأنوار الغيوب لنوازل واردات المشاهدات ، وكشف القربات ، ولسكون الأرواح الملكوتية فيها (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) أجرى في خلال عقولها أنهار أنوار معرفته لإنبات زواهرات المحبة والمودة والزلفة (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) رواسي تلك القلوب غلبات استيلاء استواء أنوار شهود جلاله على دوام الأنفاس ، وقوله : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) جعل بين بحر مشاهدته القديمة بحر الأرواح المقدسة حواجز الإرادة ، وبرزخ امتناع ذات القديم الأزلي عن النماذج بالحدوثية.
وقال جعفر : من جعل قلوب أوليائه مستقر معرفته ، وجعل فيها أنهار الزوائد من بره في كل نفس ، وأثبتها بحبال التوكل ، وزيّنها بأنوار الإخلاص واليقين والمحبة ، وجعل بينهما حاجزا ، أي : بين القلب والنفس لئلا يغلب عليه النفس ظلمانها فيظلمها ، فجعل بينهما التوفيق والعقل.
قال الأستاذ : نفوس العابدين قرار طاعتهم ، وقلوب العارفين قرار معرفتهم ، وأرواح الواجدين قرار محبتهم ، وأسرار الموحدين قرار مشاهدتهم ، وفي أسرارهم أنوار الوصلة ، وعيون القربة بها يسكن ظمأ اشتياقهم ، وهيجان قلقهم ، واحتراقهم ، (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) من الخوف والرجاء والرغبة والرهبة.
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢))