قال أبو عثمان : قلوبهم قاسية بما عصوا.
وقال سهل : الإشارة في البيوت إلى القلوب ؛ فمنها عامرة بالذكر ، ومنها خراب بالغفلة ، ومن ألهمه الذكر ؛ فقد خلّصه من الظلم (١).
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩))
قوله تعالى : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) أعظم الحمد علم الحامد بعجزه عن حمد الحق.
قال : فإن حمد الحامدين عند حمده مصروف عليهم ؛ لأنه سابق بحمده في الأزل إظهارا لاستغنائه عن حمد الحامدين ، وقد وجب الحمد عند كل نعمة ، وأعظم النعمة ذهاب النفس الأمّارة من قلب العارف ؛ لأنها أعظم الحجاب بينه ، وبين الحق وأهل هذا الحمد الذين اصطفاهم الله لمشاهدته في الأزل ، ووصاله إلى الأبد ؛ فسلامه عليهم من سوابق نعمة الأزلية المقرونة باصطفائيتهم فالسلام والاصطفائية أزليتان وأبديتان.
قال الحسين : ما من نعمة إلا الحمد أفضل منها ، والحميد النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمحمود الله ، والحامد العبد ، والحمد حاله الذي يوصل بالمزيد.
قال ابن عطاء : من سلم الله عليه في أزله سلم من المكاره في أيده.
قال جعفر بن محمد : سبحان من اصطفاهم لمعرفته ، وسلّم عليهم قبل المعرفة.
وقال الواسطي : لم يجعل الحق وسيلة إلى نفسه غير نفسه ، ولا اختصاصا غير ذاته ؛ إذ يقول : (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) فلم يجعل هاهنا اسم نعت ، وجعل اسم حقيقة ؛ لأن الهاء تخبر عن حقيقة الذات لا غير.
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
__________________
(١) وفي قوله تعالى : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) [النمل : ٥٧]. أي : المرآة التي هي صورة الدنيا إجمالا ، كما أن آدم إجمال العالم ؛ لكن لمّا كانت الشهوات والزين من الأمور السالفة الدنيّة ؛ قيل للمرأة : صورة الدنيا بإضافة الصورة إلى الدنيا ، ولمّا كانت المعالم والشواهد من الأمور العالية الشريفة ؛ قيل أن آدم صورة العالم ؛ لأن أصل العالم علم ، ثم أدخل ألف الإشباع ؛ وهو علم لوجود الله تعالى على أن العالم أعم من الدنيا ؛ لأن الدنيا ؛ إنما هي عالم الكون والفساد الذي مبدؤه مقعر السماء السابعة ، ومنتهاه نهاية الأرضين.