يقولون بضياعها نسخا ولا رفعا ، وأسلمهم هذا العجز إلى ورطة اخرى هي : دعوى إجماع الامّة على أن تثبت على حرف واحد وأن ترفض القراءة بجميع ما عداه من الأحرف الستّة ، وأنّى يكون لهم هذا الإجماع ولا دليل عليه؟!
هنالك احتالوا على إثباته بورطة ثالثة وهي : القول بأنّ استنساخ المصاحف في زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ كان إجماعا عن الامّة على ترك الحروف الستّة والاقتصار على حرف واحد هو الذي نسخ عثمان المصاحف عليه.
إلّا إنّ هذه ثغرة لا يمكن سدّها ، وثلمة يصعب جبرها ، وإلّا فكيف يوافق أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ على ضياع ستّة حروف نزل عليها القرآن دون أن يبقوا عليها مع أنّها لم تنسخ ولم ترفع؟!
وقصارى القول : إنّنا نربأ بأصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أن يكونوا قد وافقوا أو فكّروا فضلا عن أن يتآمروا على ضياع أحرف القرآن الستّة دون نسخ لها ، وحاشا عثمان ـ رضي الله عنه ـ أن يكون قد أقدم على ذلك وتزعّمه ...» (١).
قلت : ومثل هذا كثير ، يجده المتتبّع لكلماتهم وآرائهم في كتب الفقه والحديث والتفسير والقراءات.
وعن الثوري (٢) أنّه قال : «بلغنا أنّ ناسا من أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كانوا يقرءون القرآن اصيبوا يوم مسيلمة فذهبت حروف من
__________________
(١) مناهل العرفان ١ : ٢٤٤.
(٢) سفيان بن سعيد الثوري ، الملقّب عندهم ب «أمير المؤمنين في الحديث» والموصوف ب «سيّد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى» وغير ذلك. انظر ترجمته في حلية الأولياء ٦ : ٣٥٦ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١١١ ، تاريخ بغداد ٩ : ١٥١ ، وغيرها.