وقال أبو زرعة الرازي لمّا عرض عليه ابن ماجة السنن كتابه : أظنّ إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع كلّها ، أو قال : أكثرها.
ووراء هذا بحث آخر وهو : أنّ قول الشيخ أبي عمرو ابن الصلاح : إنّ الامّة تلقّت الكتابين بالقبول ، إن أراد كلّ الامّة فلا يخفى فساد ذلك ، إذ الكتابان إنّما صنّفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، وأئمّة المذاهب الأربعة ، ورءوس حفّاظ الأخبار ونقّاد الآثار المتكلّمين في الطرق والرجال ، المميّزين بين الصحيح والسقيم.
وإن أراد بالامّة الّذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الامّة ، فلا يستقيم له دليله الذي قرّره من تلقّي الامّة وثبوت العصمة لهم ، والظاهرية إنّما يعتنون بإجماع الصحابة خاصة ، والشيعة لا تعتدّ بالكتابين وطعنت فيهما ، وقد اختلف في اعتبار قولهم في الإجماع والانعقاد.
ثم إن أراد كلّ حديث فيهما تلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم ، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما ، فتكلّم الدار قطني في أحاديث وعلّلها ، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الإسراء ، قال : إنّه خلط ، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها ، والقطع لا يقع التعارض فيه.
وقد اتّفق البخاري ومسلم على إخراج حديث «محمد بن بشّار بندار» وأكثرا من الاحتجاج بحديثه ، وتكلّم فيه غير واحد من الحفّاظ ، أئمّة الجرح والتعديل ، ونسب إلى الكذب ، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أنّ بندار يكذب في حديثه عن يحيى ، وتكلّم فيه أبو موسى ، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود : هذا كذب ، وكان يحيى لا يعبأ به ويستضعفه ،