أي بسلامة من العذاب والموت ومن كل مخوف أو يسلم الله تعالى عليهم أو بعضهم بعضا (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) [٣٤] أي الدخول يوم الدوام في الجنة لا خروج منها.
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) أي يتمنون (فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [٣٥] أي زيادة فوق ما عملوا (١) من التحف والكرامات ، وقيل : هو رؤية الله تعالى (٢).
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦))
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) أي قبل كفار مكة (مِنْ قَرْنٍ) أي أهلكنا قرونا كثيرة (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ) أي من كفار مكة (بَطْشاً) أي أخذا وقوة (فَنَقَّبُوا) الفاء للسببية ، أي بطشوا بطشا شديدا فبذلك نقبوا ، يعني طافوا وتقلبوا في أسفارهم وتجاراتهم (فِي الْبِلادِ) أو (٣) فتشوا فيها ، فقيل (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) [٣٦] أي ملجأ ، يعني لم يجد وافيها مفرا لهم ولغيرهم من عذاب الله تعالى وإهلاكه.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧))
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما فعل بهم (لَذِكْرى) أي لعظة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي قلب حاضر مع الله تعالى أو عقل يعقل بالقلب ولا يغفل ، لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي أنصت إلى استماع القرآن ومواعظه (وَهُوَ شَهِيدٌ) [٣٧] أي والحال أنه حاضر بقلبه غير غائب عنه ، يعني غير غافل عن فهمه.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨))
قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) نزل تكذيبا لليهود حين قالوا إن الله لما خلق السموات والأرض وفرغ منه استراح يوم السبت واستلقى على العرش (٤) ، أي لقد خلقناهما (وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها الأحد وآخرها الجمعة (وَما مَسَّنا) أي ما أصابنا (٥)(مِنْ لُغُوبٍ) [٣٨] أي تعب وإعياء ، وإنما يستريح من يتعب ويعيى ونحن منزهون عن صفات المخلوقين.
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩))
(فَاصْبِرْ) يا محمد (عَلى ما يَقُولُونَ) أي اليهود أو المشركون من التشبيه والتكذيب والإيذاء ، ونسخ بآية السيف ، وقيل : محكم ، لأن الصبر مأمور به في كل حال (٦)(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي صل لله حامدا له (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أي صلوة الفجر (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [٣٩] وهي الظهر والعصر.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠))
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) أي صل له صلوة المغرب والعشاء (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) [٤٠] بكسر الهمزة مصدر أدبر ، أي صل له وقت انقضاء السجود ، والمراد ركعتا المغرب ، وبفتح الهمزة (٧) جمع دبر ، أي وقت أدبارها وهي أعقاب الفرائض ، والمراد النوافل المسنونات أو المراد حقيقة التسبيح في هذه الأوقات.
(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١))
(وَاسْتَمِعْ) أي أحضر سمعك يا محمد بما أخبرك به من حال يوم القيامة ، وفيه تهويل وتعظيم لشأن المخبر به ، قوله (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) ظرف لفعل مقدر ، يدل عليه ما بعده من يوم الخروج ، أي يخرجون من القبور يوم
__________________
(١) عملوا ، ح ي : علموا ، و.
(٢) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٥ / ٢١٨.
(٣) أو ، ح و : أي ، ي.
(٤) عن الحسن وقتادة ، انظر الواحدي ، ٣٢٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٧٤ ؛ والكشاف ، ٦ / ٣٠.
(٥) ما أصابنا ، ح : ما أصابني ، وي.
(٦) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٣٠ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٨٦.
(٧) «وأدبار» : كسر الهمزة المدنيان والمكي وحمزة وخلف ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٠٣.