أشدّ الظلم متابعة الهوى ؛ لأنه قريب من الشّرك ، قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (١). فمن اتّبع هواه خالف رضا مولاه ؛ فهو بوضعه الشيء غير موضعه صار ظالما ، كما أنّ العاصي بوضعه المعصية موضع الطاعة ظالم .. كذلك هذا بمتابعة هواه بدلا عن موافقة ومتابعة رضا مولاه صار في الظلم متماديا.
قوله جل ذكره : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠))
أخلص قصدك إلى الله ، واحفظ عهدك مع الله ، وأفرد عملك في سكناتك وحركاتك وجميع تصرفاتك لله.
(حَنِيفاً) : أي مستقيما في دينه ، مائلا إليه ، معرضا عن غيره (٢). والزم (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) أي أثبتهم عليها قبل أن يوجد منهم فعل ولا كسب ، ولا شرك ولا كفر ، وكما ليس منهم إيمان وإحسان فليس منهم كفران ولا عصيان. فاعرف بهذه الجملة ، ثم افعل ما أمرت به ، واحذر ما نهيت عنه.
فعلى هذا التأويل فإن معنى قوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) أي اعرف واعلم أن فطرة الله التي فطر الناس عليها : تجرّدهم عن أفعالهم ، ثم اتصافهم بما يكسبون ـ وإن كان هذا أيضا بتقدير الله (٣).
وعلى هذا تكون (فِطْرَتَ) الله منصوبة بإضمار اعلم ـ كما قلنا.
__________________
(١) آية ٢٣ سورة الجاثية.
(٢) فكلمة «حنيف» من الأضداد.
(٣) يذكرنا هذا بتفسير أبى طالب المكي لقول رابعة «أحبك حبين ..» فالحب الأول فطرى تفضل الله به ، والحب الثاني عانته هي بكسبها ولكنها حتى في هذا الحب الكسبي لا فضل لها ، ولذلك استدركت :
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لى |
|
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا |
أنظر (قوت القلوب المكي ح ٢ ص ٥٦ وماتلاها) وانظر أيضا كتابنا (نشأة التصوف الإسلامى) ط دار المعارف.