سبحانه فطر كلّ أحد على ما علم أنه يكون في السعادة أو الشقاوة ، ولا تبديل لحكمه ، ولا تحويل لما عليه فطره. فمن علم أنه يكون سعيدا أراد سعادته وأخبر عن سعادته ، وخلقه في حكمه سعيدا. ومن علم شقاوته أراد أن يكون شقيا وأخبر عن شقاوته وخلقه فى حكمه شقيا .. ولا تبديل لحكمه ، هذا هو الدين المستقيم والحقّ الصحيح (١)
قوله جل ذكره : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١))
أي راجعين إلى الله بالكلية من غير أن تبقى بقية ، متصفين بوفاقه ، منحرفين بكل وجه عن خلافه ، متقّين صغير الإثم وكبيره ، قليله وكثيره ، مؤثرين يسير وفاقه وعسيره ، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها جهرا ، متحققين بمراعاة فضائلها سرا.
قوله جل ذكره : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢))
أقاموا في دنياهم في خمار الغفلة ، وعناد الجهل والفترة ؛ فركنوا إلى ظنونهم ، واستوطنوا مركب أوهامهم ، وتموّلوا من كيس غيرهم ، وظنوا أنهم على شىء. فإذا انكشف ضباب وقتهم ، وانقشع سحاب جحدهم .. انقلب فرحهم ترحا ، واستيقنوا أنهم كانوا في ضلالة ، ولم يعرّجوا إلّا في أوطان الجهالة.
قوله جل ذكره : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣))
__________________
(١) نحسب أن القشيري قد حاول إيضاح مشكلة هامة من مشاكل علم الكلام ، فليست الجبرية عنده بناقضة لحرية الإنسان واختياره ، ما دامت الأمور كلها مرتبطة بعلم الله الذي سبق كل شىء ، وبفضل الله الذي فطر على ما علم.