قوله جل ذكره : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠))
يحيى الأرض بأزهارها وأنوارها عند مجىء الأمطار ليخرج زرعها وثمارها ، ويحيى النفوس بعد نفرتها ، ويوفقها للخيرات بعد فترتها ، فتعمر أوطان الرّفاق بصادق إقدامهم ، وتندفع البلايا عن الأنام ببركات أيامهم ، ويحيى القلوب بعد غفلتها بأنوار المحاضرات ، فتعود إلى استدامة الذكر بحسن المراعاة ، ويهتدى بأنوار أهلها أهل العسر من أصحاب الإرادات ، ويحيى الأرواح بعد حجبتها ـ بأنوار المشاهدات ، فتطلع شموسها عن برج السعادة ، ويتصل بمشامّ أسرار الكافة نسيم ما يفيض عليهم من الزيادات ، فلا يبقى صاحب نفس إلا حظى منه بنصيب ، ويحيى الأسرار ـ وقد تكون لها وقفة في بعض الحالات ـ فتنتفى بالكلية آثار الغيرية ، ولا يبقى في الدار ديّار ولا من سكانها آثار ؛ فسطوات الحقائق لا تثبت لها ذرّة من صفات الخلائق ، هنالك الولاية لله .. سقط الماء والقطرة ، وطاحت الرسوم والجملة (١).
قوله جل ذكره : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١))
إذا انسدّت البصيرة عن الإدراك دام العمى على عموم الأوقات .. كذلك من حقّت عليهم الشقاوة جرّته إلى نفسها ـ وإن تبوّأ الجنة منزلا.
قوله جل ذكره : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢))
من فقد الحياة الأصلية لم يعش بالرّقى والتمائم ، وإذا كان في السريرة طرش عن سماع الحقيقة فسمع الظاهر لا يفيده آكد الحجّة. وكما لا يسمع (٢) الصّمّ الدعاء فكذلك لا يمكنه أن يهدى العمى عن ضلالتهم.
__________________
(١) أي انتفت آثار البشرية ، وصار العبد مستهلكا بالكلية.
(٢) الفاعل ضمير مستتر تقديره «هو» يعود على الرسول صلوات الله عليه ، فإن الخطاب في الآية الكريمة موجه إليه.