قوله جل ذكره : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤))
أظهرهم على ضعف الصغر والطفولية (١) ثم بعده قوة الشباب ثم ضعف الشيب ثم :
آخر الأمر ما ترى |
|
القبر واللحد والثرى |
كذلك في ابتداء أمرهم يظهرهم على وصف ضعف البداية في نعت التردد والحيرة في الطلب ، ثم بعد قوة الوصل في ضعف التوحيد.
ويقال أولا ضعف العقل لأنه بشرط البرهان وتأمله ، ثم قوة البيان في حال العرفان ؛ لأنه بسطوة الوجود ثم بعده ضعف الخمود ؛ لأن الخمود يتلو الوجود ولا يبقى معه أثر.
ويقال (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) : أي حال ضعف من حيث الحاجة ثم بعده قوة الوجود ثم بعده ضعف المسكنة ، قال صلىاللهعليهوسلم : «أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين» (٢).
قوله جل ذكره : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥))
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠))
إنما كان ذلك لأحد أمرين : إمّا لأنهم كانوا أمواتا .. والميت لا إحساس له ، أو لأنهم عدّوا ما لقوا من عذاب القبر بالإضافة إلى ما يرون ذلك اليوم يسيرا. وإن أهل التحقيق يخبرونهم عن طول لبثهم تحت الأرض. وإن ذلك الذي يقولونه من جملة ما كانوا يظهرون من جحدهم على موجب جهلهم ، ثم لا يسمع عذرهم ، ولا يدفع ضرّهم.
__________________
(١) الطفولية الطفولة.
(٢) رواه الترمذي وابن ماجه عن أبى سعيد الخدري والحاكم ، وقال صحيح الإسناد. ورواه الطبراني بسند رجال ثقات عن عبادة بن الصامت. وادعى ابن الجوزي وابن تيمية أنه موضوع ، وأبطل ذلك الحافظ بن حجر.