وأفسدوا ، فقصاراهم الخزي والهوان ، وفنون من المحن وألوان ... كلما راموا من محنتهم خلاصا ازدادوا فيها انتكاسا ، وكلما أمّلوا نجاة جرّعوا وزيدوا يأسا.
قوله جل ذكره : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١))
قوم عذابهم الأدنى محن الدنيا ، والعذاب الأكبر لهم عقوبة العنبي.
وقوم العذاب الأدنى لهم فترة تتداخلهم في عبادتهم ، والعذاب الأكبر لهم قسوة في قلوبهم تصيبهم.
وقوم العذاب الأدنى لهم وقفة في سلوكهم تنيبهم ، والعذاب الأكبر لهم حجبة عن مشاهدهم تنالهم ، قال قائلهم :
أدّبتنى بانصراف قلبك عنّى |
|
فانظر إليّ فقد أحسنت تأديبى (١) |
ويقال العذاب الأدنى الخذلان في الزلة ، والأكبر الهجران في الوصلة.
ويقال العذاب الأدنى تكدّر مشاربهم بعد صفوها ، كما قالوا :
لقد كان ما بينى زمانا وبينه |
|
كما بين ريح المسك والعنبر الورد |
ويقال العذاب الأكبر لهم تطاول أيام الغياب من غير تبين آخر لها ، كما قيل :
تطاول نأينا يا نور حتى |
|
كأن نسجت عليه العنكبوت |
قوله جل ذكره : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢))
إذا نبّه العبد بأنواع الزّجر ، وحرّك ـ لتركه حدود الوقاق ـ بصنوف من التأديب
__________________
(١) الشطر الأول غير موزون ، والشطر الثاني من البسيط.